على رغم أهمية تأكيد الوحدة الوطنية باستمرار فإن الأمور وصلت إلى حد لابد فيه من المكاشفة والالتزام بمعايير الشفافية في العمل والابتعاد عن جعل المصالح الذاتية كامنة، بل يجب إظهارها للجميع، لأن ما يحدث الآن مؤشر خطير لم يبرز حتى خلال حقبة قانون «أمن الدولة» بسبب الارتباط السياسي التاريخي بين تباين التحالفات بين السلطة والنظام الطائفي في البلاد.
فالخلاف الأخير الذي وقع في مجلس النواب عكس حال الخلل الإثنو طائفي في النظام السياسي البحريني، وكشف مدى الحاجة إلى إعادة معالجته من جديد بعيداً عن النظرة التقليدية التي تقوم على ممارسة أدوار وسياسات مزدوجة من أجل التلاعب بالورقة الطائفية لتحقيق مكاسب معينة، وهي النظرة التي حملتها بعض النخب منذ حقبة الاستعمار البريطاني الماضية.
وإذا كان مجرد خلاف على إصدار بيان رسمي يدين الاعتداءات الأميركية على مدينة الفلوجة العراقية أثار حفيظة النواب وبيّن إمكان بروز النعرة الطائفية في مجلس النواب، فكيف هو الحال إذا ظهرت تلك النعرة بهذه الطريقة الحادة داخل المجتمع، وخصوصاً أن أعضاء مجلس النواب هم ممثلو الشعب؟
أعتقد أن الإجابة ستكون صعبة وخطيرة وقد تهدد بفتنة طائفية مستقبلاً يثيرها مجموعة من المواطنين كان المفترض فيهم أن يكونوا صمام أمان لضبط أي فتنة أو تباين في الآراء القائمة على المشكل الطائفي.
ليس المهم مناقشة ما حدث في مجلس النواب فحسب، وإنما الذي وقع هو مجرد مؤشر إضافي يضاف إلى مجموعة المؤشرات السابقة التي يمكن رصدها بشكل واضح منذ بدء الإصلاح السياسي بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، وهي كلها تدعو إلى زيادة اليقين بوجود إشكالات كبيرة للمسألة الطائفية في المجتمع البحريني.
واللافت في المسألة أنه على رغم كثرة المؤشرات وزيادة القناعة بخطورة هذه المشكلة فإنه لا يوجد أدنى تحرك رسمي من السلطة لإعادة التوازن وبناء الحد الأدنى من الثقة على الأقل. فالخطاب الطائفي أصبح سائداً في الإعلام المكتوب، وزاد بشدة في الإعلام الإلكتروني، وكذلك الأحاديث العادية بين المواطنين لا تخلو من نبرة شبه طائفية تتحدث أحياناً عن كيفية المواجهة وليس عن كيفية المعايشة، وغيرها من المظاهر الخطيرة التي يجب التصدي لها.
نداءات كثيرة وجهتها للقوى السياسية والمواطنين، ولكنها لم تجد نفعاً، وآن الأوان لأن تقوم السلطة بتجاوز نظرتها التقليدية لمسألة الطائفية، وتتدخل سريعاً، فعلى عاتقها مسئوليات كبيرة تجاه هذه القضية التي يمكن اعتبارها القضية الأولى في الوقت الراهن وهي التحدي الأكبر لمستقبل النظام السياسي البحريني ووحدته الوطنية
العدد 800 - السبت 13 نوفمبر 2004م الموافق 30 رمضان 1425هـ