الشهر الفضيل ولم يبقَ إلا انتظار فتحها من جديد في العام المقبل بإذن الله... في كل عام تسطر هذه الصفحات بحكايا قد نكون نحن أبطالها وقد يكون غيرنا، قد تحدث في ديارنا أو ديار غيرنا... وإن اختلفت الكلمات والسطور تبقى لشهر رمضان الكريم سماته العامة المتفق عليها، بل والمسلم بها بديهيا وإن شغل العقل عن التبحر في معانيها القيمة الجليلة!... في اليوم المتبقي هذا ألا نجد فسحة من وقت لنحصل تركتنا في شهر من أفضل الشهور وأخيرها كما تحصل الشركات أرباحها وتجرد حساباتها بين فترة وأخرى أو في نهاية العام؟! لو قمنا بحساب ما لنا وما علينا خلال هذا الشهر مقارنة مع ما يحمله من سمات وخصائص ومساحة للثواب والمغفرة ترى كم سيكون مقدار أرباحنا وكم سيكون مقدار خسارتنا؟... لنقم بالجرد الآتي:
- قيل إن شهر رمضان فرصة للتكفير عن الذنوب والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى لنيل مثوبته ورضاه وبشتى الطرق... فسحة لفسخ ثوب الانحلال والتجرد منه للاكتساء بثوب الطهارة والعفة ونحن منذ البداية ضيعنا ذلك أولاً ببرامج ليس لها قيمة ولا هدف، بل هي مجال لتفتيح عيون الذئاب منا على مجالات أوسع للرذيلة والانحراف الأخلاقي... وختامها كانت قضية اغتصاب الخادمة الاندونيسية من قبل أحد الرجال البحرينيين وبتحريض من زوجته المصون، بل وتدريبها على أصول الغوص في بحر الدعارة والدنس ليجني من ورائه هذان الزوجان الأرباح مالاً كثيراً ووساطات كبيرة ساقطة تعادل المليارات... وحينها لا يهم إن باتت حصيلتهما من الشرف والعرض والدين ومثوبة الآخرة صفراً!
- قيل كذلك إن شهر رمضان فسحة لتعويد اللسان على الصوم عن بذيء الكلام وكذبه وما أجدنا إلا صائمين عن الطعام والشراب ولساننا في عمل دائم ومتواصل كالمنشار يقطع في لحم فلان وعلان والقوي منا من يستطيع أخذ إجازة للسانه طوال النهار ليعاود العمل بعد الفطور، هذا إن لم يكن مع دعائه «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» فيكون التمر الذي يبدأ به إفطاره لحم أخيه! هذا على مستوانا نحن عامة الناس أما لو تطرقنا إلى نخبة ممن حملناهم زمام أمورنا كي ييسروا ولو شيئاً بسيطاً منها فخذلونا، فلا نجد إلا التسقيط والشتم! وكأنهم سلطوا أنفسهم سيوفاً على رقاب البشر يصنفونهم بحسب ما يشاءون ثم ينزلون حكمهم الغوغائي عليهم والمصيبة إن جاء هذا الكلام على لسان من اتخذ الإسلام دينا وحمل مبادئه رسالة يبث مضامينها في نفوس الناس! فأي خير نرتجي وأية مثوبة من وراء لسان مافتئ يقطع في لحوم البشر، بل ويكفرهم متناسياً أن لله وحده الحق في ذلك وهو وحده علام الغيوب وما تضمر القلوب؟!... في هذه الزاوية لاشك أن حصيلة الثواب صفر كما هي حصيلة السنتين في مجلس نوابنا الكرام وفي المقابل مليارات من الكلمات البذيئة والشتم والتقطيع في لحوم البشر.
- إن قطعت على نفسك عهداً لأحد أو ندراً فعليك أن تفي به قبل الشهر الفضيل لكن الذي نجده وعود قطعت فما عرفت للوفاء طريقاً... وعدنا بالخير وبإصلاح الأمور وما وجدنا أنفسنا إلا إلى الوراء نسير... وُعِدْنا بالشفافية وحرية التعبير فسلط ألف رقيب علينا... وُعِدْنا بالسعي إلى نقلنا من أرصفة الشوارع إلى بيوت نحتمي بظلها وعمل نشبع به بطوننا فما وجدنا إلا أمماً تتكاثر يوماً بعد يوم كلها تمد اليد تشحت الوفاء بالوعد وعند الاصطدام بحاجز الصد أو الانتظار في أبسطها حالاً لا يمكننا إلا التلهف على عيدية النواب التي أفقدتنا لبَّنا، بل وأملنا في الحصول ولو على جزء بسيط منها... وعود بالمليارات والوفاء بها صفر وأي صفر؟!
المساحة تعوقنا عن تكملة جردنا وحصل مدخراتنا في الشهر الكريم وإلا لكنا سطرنا صفحات صحيفة بكاملها ولن نفي بالأمور كافة... لكن بدقيقة تأمل مع النفس في حالنا وحالنا الدنيا من حولنا نستطيع أن نخرج بعدد نسبي حقيقي في آن... صفر للثواب ومليارات للذنوب والآثام
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ