قطعت إفادة الشهود وكذلك الطب الشرعي بأن وفاة الشهيد محمد جمعة الشاخوري كانت بسبب اصابته بطلقة مطاطية أطلقتها قوات الأمن التابعة إلى وزارة الداخلية عليه وذلك أثناء مشاركة المتوفى في التظاهرة التي حصلت قرب السفارة الاميركية في يوم الخامس من ابريل/ نيسان 2002. إلا ان وزارة الداخلية ذهبت في دفاعها إلى انه حتى على سبيل الافتراض الجدلي أن من أطلق الرصاصة المطاطية التي اصابت رأسه وأودت بحياته هم رجال الأمن التابعون إليها، فإنهم كانوا يقومون بواجب يفرضه عليهم القانون، الأمر الذي ينفي قيام أركان المسئولية المدنية لتوافر احد اسباب الإباحة تأسيساً على احكام المواد «15» و«180» و«178» من قانون العقوبات والمادة «169» من القانون المدني.
هذا الادعاء سقط أمام حكم المادة «180» من قانون العقوبات التي تستوجب ان يكون استعمال القوة في الحدود المعقولة ضد من يقاوم، وأنه لا يجوز استعمال أسلحة نارية إلا عند «الضرورة القصوى» أو «عند تعرض حياة شخص للخطر»، فإذا لم تتوافر مثل هذه الظروف فإن استخدام الأسلحة النارية - ومنها الطلقات المطاطية - يكون استخداماً غير مشروع ومخالفاً للقانون».
المحكمة حكمت لصالح عائلة الشاخوري ضد وزارة الداخلية، على أن يكون الحكم عبرة للداخلية في ألا تلجأ لمثل هذه الأساليب لمواجهة المتظاهرين والمحتجين، وان تكتفي بالغازات المسيلة للدموع لتفريق جمع المتظاهرين أو حتى المخربين والعابثين، ومن ثم اعتقالهم حفاظاً على سلامتهم وحتى لا نجرّ البلد من جديد إلى حمام دم لا يبرد.
ما حدث في مسيرة السيارات التي خرجت الأسبوع قبل الماضي للتضامن مع الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة والتي لسنا في صدد الحديث عنها، فقد تعرض شخص لطلقة «مطاطية»، ويرقد الآن على أثرها في المستشفى متأثراً بجروحه بعد أن أصابته في صدره وسقوطه أمام من أطلقها على بعد أمتار فقط، والله ستر وإلا لو أصابته في رأسه لذهب قتيلاً في اللحظة ذاتها.
ماذا لو قتل الشاب في المسيرة؟ هل فكرت الداخلية في ذلك قبل أن يقدم منتسبوها على إطلاق مثل هذه الرصاصات المطاطية على المتظاهرين، ألم تتوقع أن يكون هناك ردود فعل غاضبة بشكل تصعب السيطرة عليه؟ ما ضيرها لو اكتفت بمسيلات الدموع لتفريق المتظاهرين واعتقال من تراهم مخربين وتقديمهم إلى محاكمة عادلة تدين من تدين، من دون اللجوء إلى سفك الدماء، وإدخالنا من جديد إلى معترك الظلام والفوضى.
ألم تعلم الداخلية أن الجرح الذي أحدثه استشهاد الشاخوري وغيره في حوادث التسعينات لم ينضب بعد، لتعيد الكرة نفسها في كل مرة تحدث فيها مواجهات مع متظاهرين فتلجأ إلى الرصاص المطاطي وسيلة لتفريقهم على رغم إدراكها التام بحرمته دولياً لما له من تأثيرات بالغة الخطورة على حياة المتظاهرين؟
الشاب مازال يرقد في المستشفى ويتلقى العلاج، فمن سيتحمل المسئولية لو حدث له مكروه، وهل ستتحمل الداخلية من جديد تبعات استخدامها الخاطئ لمثل هذه الأسلحة لتقف أمام القضاء تدافع عن نفسها في قتل المواطنين، وحتى لو كانوا مخطئين في مسيراتهم وكانوا من المخربين، فهل تعريض حياتهم للخطر هو العقاب الرادع المناسب؟!
لابد أن نسعى لترسيخ مفهوم أن الجميع يرفض العنف والتخريب والتكسير، ولكن أيضاً نرفض استخدام القوة المفرطة التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى قتل الناس وتعريض حياتهم للخطر.
لقد أظهر تتابع الحوادث وتداعياتها جملة من الدروس والعِبَر، أهمها أن اعتماد النظرة العدوانية بين طرفين: الناس ورجال الأمن، لا يمكن ان يوفر الأمن الحقيقي للمجتمع.
ورب ضارة نافعة، فقد تدرك القيادات والشعوب معاً، أكثر من أي وقت مضى، أن مصيرها اكثر ارتباطاً ببعضها بعضاً، وأن سلامة الوطن وتأمين مصالحه العليا، هما ما يضمن في النهاية أمن الحكومات وسلامتها، والعكس غير صحيح على الإطلاق، فمن يعتبر من ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ