العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ

ورحل عرفات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وطويت صفحة ياسر عرفات... ولكن هل تطوى معها كوفيته التي ظلت رمزاً للقضية الفلسطينية طوال أربعين عاماً؟

بدأ شاباً حركياً، وخاض معمعة السياسة، وحمل السلاح ونفذ العمليات العسكرية دفاعاً عن قضية فلسطين. وبمقدار ما تكون الحركة تكون الأخطاء. مسار حياة هذا الرجل يعكس مسار القضية الفلسطينية، وتقلباته تعكس تقلباتها.

عاش متنقلاً من عاصمة عربية إلى عاصمة أخرى، ومن منفى إلى منفى. لم يتسع له صدر أي منها، لا القاهرة التي درس في جامعتها، ولا عمّان التي أنشأ خلايا حركته الثورية فيها، ولا بيروت السبعينات التي اتسع صدرها لكل جواسيس العالم ومخابراتها في مرحلة الحرب الباردة، ولكنها لم تتسع لبندقيته. فثمن دعم هذه القضية مكلفٌ جداً.

في العام 1973 دخل مبنى الأمم المتحدة وارتقى منبرها وخاطب العالم: «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي». وظلّ مادّاً يده بالغصن، يناور ويداور، والآذان لا تصغي لصوته المبحوح.

في العام 1982، استنفر الجيش الصهيوني كلّ قواه واجتاح لبنان بحثاً عن رأس المقاومة. وظلّ عرفات يهدّد شارون بتحويل بيروت إلى لينينغراد. ولأن بيروت العربية الناعمة لم تكن تمتلك عضلات لينينغراد ولا أنيابها، اضطر إلى أن يحزم حقائبه، ويركب السفينة إلى قبرص، ومنها إلى تونس في رحلة النفي الفلسطيني التي لا تنتهي.

وتدور الطواحين... ويعود عرفات إلى غزة محمولاً على الأعناق، ليؤسّس سلطته المقسمة بين الضفة والقطاع، مشروعَ جنينٍ يعلم الله إلى متى ستتعسر ولادته، هذا إذا كان سيرى النور أصلاً... وسط هذا الانهيار العربي الشامل المهين.

ويظلّ الرجل ينتظر ويقدّم التنازلات، فيقبل بملاحقة المقاومين من رفاق الدرب لتمرّ الاتفاقات الجديدة على الجسد الفلسطيني، ويقبض على منفذي عملية اغتيال وزير اسرائيلي متطرف، ويساوم على تسليمهم مقابل فكّ الحصار عن مقر القيادة.

أخطاء فظيعة، والأخطاء الفظيعة تدفع الشعوب الطيبة أثمانها دماء دافقة ودموعاً لا تجف. ومع ذلك تشاهدون اليوم هذا الشعب يبكي حول نعشه، وينصب كوفيته علماً يسير وراءه.

رحلة جبلية طويلة شاقة، انتهت في سجنٍ من غرفتين في مبنى المقاطعة، يحاصره جنود العدو، ولم يفلح في فكّ الحصار عنه في الأخير إلا المرض الذي أنشب أظفاره. وفي المستشفى الفرنسي أسلم الروح ليعود محمولاً على الاكتاف.

ربما تكون النهاية لعرفات كما أجمعت على ذلك الصحف الفرنسية في افتتاحياتها، وربما تكون آخر العذابات لهذا الجسد المتعب العليل... والموت حقٌ، لكن حزننا على الشعب الفلسطيني الشقيق لكبير

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً