لاحظ آية الله السيّدمحمد حسين فضل الله، وجود أصولية أميركية تتغذى من أصولية أخرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وأكد أن تهميش الأمم المتحدة هو هدف من الأهداف التي رسمها «المحافظون الجدد» في أميركا، وأن «الحرب الاستباقية» هي استراتيجية أميركية تستخدم ضد معارضي السياسة الأميركية.
جاء ذلك رداً على سؤال في ندوته الأسبوعية عن المحافظين الجدد واستراتيجيتهم في المنطقة في أعقاب الانتخابات الأميركية، فأجاب: «يتحدث بعض الباحثين عن الجذور الأولى للمحافظين الجدد التي تعود للحرب العالمية الثانية، وعلى يد أحد المفكرين الألمان الذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، طارحاً جملة من المبادئ والعناوين التي تركز على استخدام الدين للسيطرة على الجموع وعلى استخدام سياسة الكذب والخداع للحفاظ على استمرارية الحكم وامتداد حركة السلطة، وعلى فرض الدين على الجماهير وإبعاده عن الحكام، وكذلك التركيز على «دولة قوية كابحة» لكبح العدائية لدى البشر، وقد لعب هؤلاء دوراً بارزاً في عهد إدارة ريغان ولم يلقوا آذاناً صاغية عندما قدموا مشروعهم للكونغرس العام 1997 في عهد كلينتون الذي ركزوا فيه على «تحدي أميركا لأنظمة الحكم» التي يعتبرونها معادية للحرية والديمقراطية، وعلى المطالبة باستعمال القوة للقضاء على الأنظمة التي يعتبرونها دكتاتورية في العالم وتركيزهم في هذا الجانب على العراق».
وتابع: «ولكننا نعتقد بأن الحدث الأبرز الذي ساهم في إعطاء دور أكبر للمحافظين الجدد تمثل في 11 سبتمبر/ أيلول بتداعياته السياسية والأمنية والتي أحدثت هزة كبرى داخل أميركا، جعلت الكثيرين يعولون على هذه الأفكار وغيرها، ومن بينها السعي لشنّ حروب استباقية في العالم والحديث عن وجود أكثر من «محور للشر» والعمل لإخضاع أو تأديب الدول التي يعتبرونها دولاً مارقة... وكل ذلك في إطار سياسي يحاول أن يتخذ لنفسه بعداًعقائدياً وبالاعتماد على الشخصيات المحافظة داخل إدارة بوش التي عملت على الترويج لسياسة أكثر عدوانية حيال العرب والمسلمين، وخصوصاً حيال فلسطين وحول استخدام الأساليب الدعائية والإعلامية والسياسية الممكنة لاجتياح المنطقة العربية والإسلامية بالتركيز على الموقع العراقي كمقدمة وكموطئ قدم سياسي وأمني وما إلى ذلك».
وقال: «ونحن لا نريد ان نذهب إلى ما ذهب إليه البعض من أنّ المسألة برمّتها انطلقت من هجمات سبتمبر، لأننا نعرف تماماً بأن الخطط الأميركية للتمركز بشكل مباشر في مواقع النفط العربية والإسلامية كانت موضوعة ومرسومة منذ الثمانينات، ولأن غزو الكويت من قِبَل النظام العراقي السابق تمّ بوحي أميركي وعلى أساس توفير الأجواء الملائمة لهذه الخطط، ولكن الحادي عشر من سبتمبر مهّد السبيل أكثر لأميركا الإدارة لكي تتصرف على طريقة «الأسد الجريح» الذي يبغي ثأراً في العالم تحت عنوان: «مكافحة الإرهاب»، وإذ لا يجد أمامه محاور دولية أو مواقف حاسمة في العالم تحذره من اللجوء إلى الخيارات العسكرية والأمنية التي تحمل في طياتها أساليب إرهابية في الوقت الذي تسعى للسيطرة ولتحقيق أحلام الإمبراطورية الأميركية التي رسمها هؤلاء».
وأضاف: «ولذلك، فنحن نعتقد بأن ثمة «أصولية» تتغذى من أصولية أخرى، والعكس بالعكس، سواء تمّ ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولأن الأجواء السياسية التي وفرتها حوادث سبتمبر كانت بمثابة الهدية السياسية الكبرى التي قدمت أفكار «المحافظين الجدد» للأميركيين على أساس أنها خشبة الخلاص وسط هذا البحر الإرهابي المتلاطم الأمواج، والذي جهد الكثيرون على إلباسه لبوس الإسلام، إلى المستوى الذي وصل فيه الحديث إلى الهجوم على القرآن الكريم وعلى النبي محمد (ص)، إذ اختلطت فيه مفاهيم السيطرة السياسية بالعناوين الدينية في ظل استخدام بوش نفسه لمصطلح الحرب الصليبية الذي أعاد سحبه دعائياً ولم يتخلَّ عن معطياته واقعياً».
وأردف: «إن مسألة تهميش الأمم المتحدة التي كانت واحدة من الأهداف التي رسمها المحافظون الجدد باتت حقيقة دامغة بعدما تجاوزتها آلة الحرب الأميركية التي غزت العراق بعيداً عن الشرعية الدولية، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة. كما أن ما يسمى «استراتيجية الهجمات الوقائية» التي وضعها هؤلاء والتي يكرر بوش الحديث عنها بين وقت وآخر هي السلاح الذي يستخدم ضد معارضي السياسة الأميركية، وكذلك لإسقاط الأمم المتحدة نفسها لمصلحة «الدولة القائدة» في العالم، إذ لا يراد للأمم المتحدة أن تكون هي المؤسسة القائدة في العالم، بل أن تتفرد أميركا في تحديد مصائر الشعوب والأمم والجماعات على أساس السياسة التي ترسمها لمصالحها من منظار هؤلاء».
وخلص إلى القول: «ولكننا مع ذلك كله نعتقد بأن أميركا الإدارة، وفي ظل سيطرة المحافظين الجدد تعرضت لانتكاسات وإخفاقات كبرى ليس أقلها انفضاح كذبة أسلحة الدمار الشامل ومن ثم الغرق في وحول العراق، ولذلك فهي ستكون مضطرة أكثر في المرحلة القادمة للتخفيف من حركتها العدوانية في المنطقة أو لتغيير أساليبها في أكثر من موقع، سواء في العراق أو فلسطين المحتلة أو غيرهما من دون أن يعني ذلك التخلي عن استراتيجية السيطرة على مواقع النفط ومصادر الطاقة أو إغفالاً لمبدأ تقديم أمن «إسرائيل» على أمن المنطقة كلها، ولكنها ستكون مضطرة للتعاون بطريقة أخرى مع دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني، حيث المرحلة تختلف والمعطيات تختلف أيضاً».
وختم جوابه بالقول: «بيد أن ذلك لا يعني أن علينا كعرب وكمسلمين أن نجلس في حال ترقّب ودعاء لكي تقلع أميركا الإدارة في «حلّتها» الجديدة عن بعض أساليبها العدوانية أو أن تنوّع بعض الشيء في طرق تعاملها، لأن الرهان على كف هذه الإدارة عن دعم «إسرائيل» وعن استمرار السعي لتطويع المنطقة كلها هو رهان على سراب.
ولذلك فإن المسألة تكمن في التحرك إسلامياً وعربياً وفق مبدأ العمل أولاً، وعدم انتظار ما ترسمه السياسة الاستكبارية للمنطقة. ولذلك لابد أن نتحرك كشعوب في خط الإصلاح وفي خط حماية قضايانا الكبرى لنستطيع من خلال ذلك أن نواجه الظلم الداخلي في حركة الأنظمة والظلم الخارجي في حركة الاستكبار الأميركي والصهيوني»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ