«... نعتقد أنه من الشجاعة أن تصارح الدولة مواطنيها بالمشكلات، فذلك بداية الحل...»... هكذا تحدث عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
حتى سنوات قليلة خلت (مطلع القرن الحادي والعشرين)، لم تكن السلطات الرسمية تعترف بوجود مشكلة البطالة في أوساط البحرينيين، متذرعة بأن الأرقام الرسمية المسجلة في وزارة العمل والشئون الاجتماعية، لا تشير، أبدا، إلى أن البلد يعيش معضل بطالة حقيقية، يمكن أن يؤدي إلى تزايد أعداد الأسر «المطحونة»، وأن يكون سببا جوهريا وراء الاضطرابات السياسية التي كانت تعم أرجاء واسعة في البلد، آنذاك.
كانت السلطات تعتبر الحديث عن وجود آلاف العاطلين عن العمل «إدعاء»، لا ينسجم ووجود نحو 200 ألف أجنبي يشتغلون في قطاعات التجارة والإنشاءات والسياحة... مرددة أن حجم البطالة في حدود 3 إلى 4 في المئة، وهي أرقام في حدود «المعدل الطبيعي، بل إن أوروبا وأميركا ترتفع فيها نسب البطالة أحيانا، لتصل إلى 11 في المئة».
هكذا كان الخطاب الرسمي يتجاهل قضية البطالة، حتى فاجأ ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة «السيستم القائم»، قبل نحو عام، وتحديداً في ندوة دراسة سوق العمل، التي رعاها في ديسمبر/ كانون الأول 2003، بأن نسبة البطالة تصل إلى 15 في المئة، كما أوضحت الدراسة الثانية التي عرضت في ورشة «إصلاح سوق العمل»، التي نظمت في قصر الشيخ حمد في القضيبية في سبتمبر/ أيلول الماضي، بأن الحاجة ماسة لتصحيح الأوضاع، وإلا فإن نحو ثلث البحرينيين سيكونون بلا عمل في العام 2013، وهي الندوة التي حاولت بعض التحالفات «غير المرئية» بين التيارات المحافظة، في الجانبين الرسمي والشعبي، إجهاضها بقصد أو من دونه.
إن البطالة واحدة من بين عشرات القضايا التي تتجاهلها الحكومة، حتى «يقع الفأس في الرأس»، ذلك أن طبيعتها المتسيدة، لا تساعدها على الاستفادة من ملاحظات الناس.
وإذا أردت تعداد ما هو قابل لـ «الانفجار»، فلن تجد صعوبة، إلا تلك المتعلقة بعدم القدرة على البوح بما هو معروف. وليس ابتداء بالمشكل الإسكاني، الذي تفاقم بسبب «نوم» وزارة الإسكان لأكثر من عشر سنوات.
وكذا انفجرت مشكلة الازدحام المروري، وكأن الدولة لا تعلم بأن مواطنيها سيزداد عددهم، وأنهم سيحتاجون طرقا يسيّرون عليها سياراتهم. فضلا عن قضية التخطيط الحضري، بعد سيادة العشوائية، ما أدى إلى تداخل المناطق، فلا أحد يعرف أين الخط الفاصل بين مناطق الاستثمار والمناطق السكنية والصناعية، وهو ما يكلف البلد غاليا، يدفع ضريبته الناس من الموازنة العامة، ولا يتضرر بذلك أولو الحظوة، (حديثاً بلغ حجم نقل المنطقة الصناعية من عراد إلى الحد نحو 950 ألف دينار).
ولعل من المهم الإشارة إلى أن تلك المشكلات تفاقمت في ظل تجاهل السلطات، لنحو 25 عاما، الأزمة الناتجة من حل المجلس المنتخب العام 1975، وكأن السلطات أرادت أن تنتقم من الناس المحتجين على تعطيل نمو العملية الديمقراطية، فتجاهلت شئون البلد وانشغلت بشئونها، حتى التفتنا بعد 25 عاما، ونحن في المؤخرة، بعد أن كنا سباقين في ميادين عدة، ولا يعرف إلى أي مدى تدرك السلطات أخطاءها الفادحة التي جعلت مواطني البحرين بلا أرض، وسكن، وشوارع، وسواحل، وحدائق، وأحيانا لا أفق لدى بعض المهمشين والفقراء...
... وهكذا، تستمر الدولة في تجاهل كثير مما يؤرق الناس، وليس استثناء هنا قضية التجنيس السياسي التي قد يأتي يوم لتتفجر، مخلفة وراءها مشكلات قد يصعب حلها.
لذلك كله، لا يبدو تجاهل الدولة لوجود فقر في البلد، خارج سياق تعاطيها مع المشكلات عامة. إذ لا تعترف السلطات رسميا بوجود الفقر، وربما تكون في ذلك مستندة إلى تقارير الأمم المتحدة التي تحدد الفقير بأنه الشخص الذي لا يحصل على دولار في اليوم، على رغم أن هذا المعيار لا يتناسب مع الوضع البحريني بتاتا، وهو أمر التفتت إليه الأمم المتحدة، وبرنامجها الإنمائي، الذي نظم ورشة استضافتها الأكاديمية السويدية في الإسكندرية في الفترة من 10 - 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حضرها وفد بحريني مكون من النائب محمد آل الشيخ، ومن مكتب الأمم المتحدة في البحرين علي سلمان، والصحافي عباس بوصفوان.
ولعلّ أبرز ما دعا إليه ممثلو البرنامج الإنمائي خلال الورشة، هو «توطين» أهداف الألفية الثالثة، وعلى رأسها مفهوم الفقر، ووضع خط له في كل دولة، يتناسب ومستوى العيش فيها.
والواقع، فإن قصة الدولار الواحد نابعة من إعلان الأهداف التنموية للألفية (MDGs)، والتي وقعتها دول العالم في العام 2000، بما في ذلك جميع الدول العربية، ويدعو الإعلان الدول الموقعة عليه العمل على تحقيق أهداف ثمانية، خلال الفترة الممتدة بين العامين 1990 و2015، وقد وضعت الأمم المتحدة مؤشرات لكل هدف، يمكن من خلالها قياس مدى تحقق الأهداف الثمانية الآتية:
الهدف الأول: «القضاء على الفقر والجوع الشديدين»، والغايتان المستهدفتان لذلك هما «خفض نسبة الأشخاص ذوي الدخل الذي يقل عن دولار واحد في اليوم إلى النصف»، وكذا «خفض نسبة الذين يعانون من الجوع»، بين العامين المذكورين.
الهدف الثاني: «تحقيق التعليم الابتدائي»، إذ يجب على الدول «مع حلول العام 2015، ضمان تمكين الأطفال في كل مكان، فتيانا وفتيات على حد سواء، من إكمال المقرر الدراسي الكامل للمرحلة الابتدائية».
الهدف الثالث: «تعزيز المساواة وتمكين المرأة»، من خلال «إزالة التفرقة بين الجنسين على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي، ويفضل أن يتم مع حلول العام 2005، وفي جميع مراحل التعليم مع حلول العام 2015 كحد أقصى».
الهدف الرابع: «خفض نسبة وفيات الأطفال بمعدل الثلثين»، مع حلول 2015.
الهدف الخامس: «تحسين الصحة الإنجابية (صحة الأمهات)، من خلال العمل على «خفض نسبة الوفيات بين الأمهات بمعدل الثلاثة أرباع».
الهدف السادس: «مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والأمراض الأخرى»، عبر «إيقاف انتشاره بحلول العام 2015، والمباشرة في عكس انتشاره».
الهدف السابع: «ضمان الاستدامة البيئية»، عبر «دمج مبادئ التنمية المستدامة في سياسات البلد، وعكس الاتجاه في خسارة الموارد البيئية، (و) خفض نسبة السكان العاجزين عن التأمين المستدام لمياه الشرب الآمنة الاستعمال والسكان غير المتمتعين بخدمات الصرف الصحي المستدام إلى النصف، بحلول العام 2015. (و) تحقيق تحسن ملحوظ في حياة ما لا يقل عن مئة مليون من القاطنين في المناطق العشوائية (الأحياء الفقيرة والمكتظة)، بحلول العام 2020»، ويقاس ذلك من خلال التعرف على «نسبة الأسر المعيشية الذين يحصلون على السكن المضمون».
الهدف الثامن: «تطوير شراكة عالمية للتنمية».
القراءة الأولية للأهداف، قد تقود إلى القول بأن الأهداف الخمسة الأولى المتعلقة بالفقر، والجوع، وتحقيق التعليم الابتدائي، وإزالة التمييز بين الجنسين في التعليم، وتقليل وفيات الأطفال...، أمور متحققة في البحرين، وهذا محل ارتياح عام، بيد أن المسألة ليست هنا فقط، إذ إن روح هذه الأهداف يتعلق أساسا بتحقيق تنمية أشمل لجميع المجتمعات، ورفع مستوى معيشة المهمشين، في ضوء متطلبات للتنمية تأخذ في الاعتبار الواقع المحلي، وبما يساعد على «توسيع الخيارات» أمام المواطنين، وهذا ما لم يتحقق بعد، كما تشير الدلائل على الأرض.
وإذا أُخذ الفقر مثالا، فمن غير المعقول أن يكون خط الفقر في البحرين دولارا واحدا في اليوم، كما هو الحال في أي بلد إفريقي يعيش مواطنوه مجاعة شبه دائمة.
وحين حددت الأمم المتحدة هذه الأهداف «الفضفاضة»، فإنها وضعت نصب عينيها المناطق الأفقر في العالم في الأساس، والتي تضم مئات الملايين من الناس الذين لا يجدون خبزة يأكلونها، ومكاناً يأويهم، ويموت فيها آلاف الأمهات والأطفال بسبب عدم توافر الخدمات الصحية.
ويبدو لي أنه كان مطلوبا من الأمم المتحدة أن تضع مستويات عدة للأهداف، وليس مستوى واحدا، على أن تلزم الدول بتحقيق الأهداف في ضوء ما وصلت إليه من مستوى تنموي.
ولتدارك «عمومية» الأهداف الثمانية، فإن الاهتمام ينصب حاليا على ما يسمى «توطين» الأهداف، وهي دعوة «أممية»، يرددها مسئولو البرنامج الإنمائي. ما يعني أنه على حكومة البحرين، التي لا تعترف بوجود الفقر رسميا، وتعتبر نفسها محققة للأهداف المذكورة (معيار الدولار الواحد)، أن تلتزم بدعوات الأمم المتحدة، وأن تسعى لإعداد خط للفقر، يحدد عدد الدنانير أو الدولارات المطلوبة كحد أدنى لكفاية المواطن، وانتشاله من الفقر، بمعناه النسبي، وضمن متطلبات العيش في البحرين، أي ما يكفي المواطن مؤونة وسكنا وتعليما وترفيها، بما يمكنه من توسيع الخيارات في حياته.
وفعلاً، فإن تقرير البحرين عن أهداف الألفية الثالثة للعام 2003، الذي أعدته وزارة الخارجية بالتعاون مع البرنامج الإنمائي المقيم في المنامة، يوضح أنه في حال اعترفت البحرين بأن معيار الخمسة دولارات هو الخط الوطني للفقر فإن 16 في المئة من البحرينيين قد يصنفون على أنهم فقراء.
ويضيف التقرير بأن نصيب 10 في المئة من الناس الأفقر في البحرين هو 4,3 في المئة من الدخل القومي، بينما يتحصل 20 في المئة على 9,3 في المئة، في المقابل يستأثر 10 في المئة من الأغنى على أكثر من 26 في المئة من الدخل القومي، وتصل النسبة إلى 42 في المئة تقريبا، في حال وضع 20 في المئة من الأغنياء.
ويمكن الإشارة هنا إلى جهات رسمية وأهلية تبذل جهودا مضنية لمساعدة المحتاجين والأرامل والأيتام، وسواء سمينا ذلك محاربة للفقر، أو رفعاً لمستوى المعيشة، فإن المضمون هو الذي يجب التركيز عليه، بيد أن ما ينقص هذه الجهود عدم تناسقها، وعدم معالجتها لأسباب الفقر لا لظواهره، وبالتالي عدم محاولتها تعليم المحتاج «صيد السمك عوضا عن الاكتفاء بأكله».
أشير هنا إلى أن المملكة العربية السعودية باتت تعترف بوجود الفقر، بحسب ما قال أحد المشاركين في الورشة المذكورة، وقد شكل ولي عهدها لجنة لمكافحة الفقر، بموازنة عدة ملايين من الدولارات لعمل دراسات عن الفقر في المناطق المختلفة، وقد ابتعثت اللجنة أكثر من مواطن للحصول على دراسات عليا في موضوعة الفقر، في ظل تغير التوجه من الاعتقاد بدولة الرفاه إلى الاهتمام بالفقراء والمهمشين.
كما شكلت السعودية، بحسب المصدر ذاته، صندوقا لمكافحة الفقر، بموازنة قدرها 200 مليون ريال، تابعاً للديوان الملكي مباشرة، فضلا عن المضي في انتهاج سياسات سكانية يرعاها ولي العهد، لحل مشكل الإسكان العشوائي.
وقد جاءت هذه الإجراءات بعد زيارة قام بها ولي العهد السعودي، قبل نحو ثلاثة أعوام، إلى منطقة فقيرة في الرياض، وقال: نعم نحن دولة رفاهية، لكن لدينا فقراء.
وفي هذا الصدد، يقول مصدر إماراتي: إنه لا يوجد خط للفقر في الإمارات السبع، لكن الدولة تعتبر هذا الخطط - عمليا - في حدود 600 دينار، وهو الحد الأدنى للراتب التقاعدي للعاملين في القطاع الحكومي، الذي يضم غالبية المواطنين ممن هم في سن العمل، فضلا عن تقديم إعانات مجزية للأرامل واليتامى.
إلى ذلك، فإن الفقر ليس استثناء في حاجته إلى مقياس وطني، ورؤية للعمل، فالتعليم أيضا وكذا الأهداف الأخرى. فإذا كانت البحرين حققت نسبة التحاق بالمدارس يصل إلى 100 في المئة، فإن هذا لا يعني تحقيق المرجو على الصعيد التنموي والاستراتيجي... إذ السؤال يتعلق بمدى نوعية ما يحصله الطالب في المدارس، وتناسبه مع سوق العمل، وتعاطيه مع التقنيات المعرفية الحديثة... وبالمناسبة فإن التعليم مازال غير إلزامي، ولا يعاقب القانون ولي الأمر الذي لا يسجل ابنه في المدرسة.
ولعل المطلوب، من أجل رصد الأهداف وضمان تحقيقها، إنشاء لجنة وطنية، لا تكتفي بمتابعة الأهداف الثمانية المذكورة أعلاه، وإنما تعد أهدافا تنموية وفق مقاييس محلية، تسعى البلد إلى تحقيقها في مدى زمني معلوم، على أن تقوم اللجنة بإعداد تقارير دورية لمتابعة مدى تحقق هذه الأهداف، وأن تمارس السلطة التشريعية دورها الرقابي في هذا المجال.
وتزداد أهمية اللجنة، بالنظر إلى تلك الأهداف التي لم تحققها البحرين، ومن بينها الهدف السادس الذي يتحدث عن «مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والأمراض الأخرى»، عبر «إيقاف انتشاره بحلول العام 2015، والمباشرة في عكس انتشاره».
وفي الواقع فإن لا أرقام دقيقة بشأن هذا الموضوع، الأمر الذي يستدعي معالجة أكثر شفافية، لن تتم إلا في ضوء رقابة شعبية وبرلمانية. ويقول تقرير البحرين للألفية الثالثة، المشار إليه أعلاه، أن الحكومة لا تتحرك بفعالية في موضوع الإيدز إما بسبب حساسيته الاجتماعية، أو عدم النظر إليه بشكل جدي، على رغم ازدياد حاملي فيروس نقص المناعة، وبذا يستمر غياب استراتيجية وطنية لمحاربة هذا المرض الخطير.
وتأتي أهمية تشكيل لجنة وطنية من كون الرأي العام، والمؤسسة التشريعية، ومؤسسات المجتمع المدني، لا تعرف شيئا عن أهداف الألفية، إذ لم تعرض الجهات المعنية هذه الأهداف للنقاش على المستوى العام، سواء في وسائل الإعلام، أو الدوائر المعنية بالتنمية، رسمية كانت أم أهلية.
وباستثناء إعداد وزارة الخارجية، في العام 2003، تقريراً باللغة الإنجليزية، عن أهداف الألفية، لم يره الشارع البحريني، فإن جهودا أخرى لم يُعرف أن الحكومة قامت بها، وربما تكون قامت بها من دون إعلان، وهو أمر غير مرغوب في قضية ذات طابع متداخل، وتمس كل القاعات الرسمية والأهلية، من أسر ومؤسسات عامة وخاصة.
وكما هو متوقع، فإن التقرير لم يعترف بوجود الفقر، بيد أنه تضمن ملاحظات جديرة بالاهتمام، من بينها إشارته إلى أن أحد التحديات الذي تواجه البحرين هو التحول من الدولة الريعية، إلى دولة تقوم على استراتيجية اجتماعية واضحة المعالم، وذات خطط مدروسة ومرتبطة بجدول زمني، وذلك لا يتأتى للدول إلا إذا أوجدت نظاما فاعلاً قابلاً للقياس.
ويدعو التقرير إلى التوسع في مشروع الميكروستارت، وهو مشروع يقدم قروضا ضمن شروط سداد مناسب للأفراد. بيد أن المشروع توقف لأسباب غير معروفة.
وعلى رغم أن المشروع طبق وفق أسس تمييزية واضحة، فإن فائدته كانت كبيرة، وأظن أن من الأهمية أن تُساءل السلطات الرسمية من قبل البرلمان عن أسباب توقف المشروع، وأسباب حصر الاستفادة منه على ثلاث جمعيات أهلية، هي: جمعية الإصلاح، وجمعية أوال النسائية، وجمعية رعاية الطفل والأمومة، وقد رفض المسئولون عن الشئون الاجتماعية في وزارة العمل طلبات جمعيات مدنية أخرى الاستفادة من المشروع.
ويعتبر التقرير ارتفاع معدلات البطالة من التحديات التي تواجه الدولة في الوصول إلى أهداف الألفية. ويظهر أن 51 في المئة من العاطلين عن العمل هم من الفئة العمرية من 15 - 24 عاما. ويرى بأن ازدياد عدد الداخلين إلى سوق العمل لا يتماشى وضيق الموارد الحكومية... ما يجعل الأعمال المتوافرة، في القطاع الخاص، غير قادرة على استيعاب قوة العمل هذه، خصوصا في الوقت الذي يكون فيه المتخرجون أكثر تأهيلا من أن يقبلوا بأعمال لا تحتاج إلى مهارة في القطاع ذاته.
وأوصى التقرير بعمل نظام توزيع مجد ومناسب لمتابعة برامج المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة، وذلك لإعادة توجيهها أو جزء منها ببرامج النفع أو المساعدة الذاتية، وطالب بزيادة كفاءة أجهزة المعلومات الحكومي بغرض متابعة مدى تحقق أهداف الألفية.
ويقر التقرير بوجود مشكلة على صعيد البيئة، إذ تعاني المناطق السكنية من النقص في مياه الشرب، الذي هو في تدهور واضح، فضلا عن المشكل الناجم عن ردم مساحات شاسعة من مصائد الأسماك والحياة البيئية وتصاغر رقعة خليج توبلي... إضافة إلى ازدياد عدد السيارات بسبب عدم وجود وسائل نقل عمومية فاعلة.
إن هذا التقرير، والجهود الرسمية والأهلية غير القليلة في مجال رعاية الأسر المحتاجة، لبنات قوية يمكن البناء عليها في سبيل بناء استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر، ولعل أولى تلك الخطوات: الاعتراف بالفقر، والعمل على وضع خط وطني له، بما يمكن من توجيه الجهود كلها: المساعدات من وزارة العمل والجمعيات والصناديق الخيرية، ولجنة كفالة الأيتام، وكذا الزكوات والأخماس ضمن سياسة واضحة المعالم للحد من الفقر، المرتبط، أساسا، بالحرية الثقافية ونوع التعليم والعمل الذي يحصل عليه المواطن، ومستوى المشاركة السياسية، وعدد التلفزيونات، وأجهزة الحاسوب...، وليس فقط بمدى توافر الأكل والشرب واللباس، فلا أحد يموت جوعا في البحرين، فالفقر في الأساس هو فقر الخيارات أمام المواطن.
وضمن هذا المفهوم، فإن الفقر مرتبط بمفهوم الحكم الصالح، والديمقراطية، وإشراك المهمشين في القرار، ومحاربة الفساد، وإعطاء أهمية للفجوة المعرفة... لذلك سيكون مفيدا الاهتمام بتعليم الفقراء وابتعاثهم في دراسات عليا.
كما سيكون مفيدا جدا أهمية تنظيم ورشة عمل للبرلمان عن المفهوم الحيوي للفقر، مع إشراك الجهات الرسمية والأهلية، بما في ذلك وزارة المالية التي بيدها مفتاح رصد الموازنة المطلوبة لمكافحة الفقر بمعناه الأشمل: توسيع الخيارات
العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ