العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ

فحص: علينا الارتقاء بالتعدد إلى أعلى مستويات الوحدة

حقوق الإنسان بين تدمير الذات وتحقيقها في الآخر

المحرق - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

أشار عالم الدين اللبناني هاني فحص إلى كون الإنسان موضوع قضية أسمى يسمو بها أو يتسامى وأن توثيق الإنسان أو توفيقه بين الحرية والغائية يجعل من زوايا الاختلاف أقل حدة ويجعل من المسافة المدورة بين طرفي أي انتماء مساحة للقاء وتجاوز الأفكار وتنمية أرصدة المعرفة والارتقاء بالتعدد إلى أعلى مستويات التعبير عن الوحدة كمعادل تاريخي وموضوعي للتوحيد تحت سقف الشريعة الذي يكتمل تحديداً بالحق وبهذا يمكن أن نكون بمنجى من إغراءات الفصل بين الخالق والمخلوق - بين الله والإنسان.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها فحص مساء الاثنين 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث والتي تناول فيها موضوع حقوق الإنسان من تجربة خاصة تعتمد على الخلفية الفكرية والفقهية والفلسفية لهذا الموضوع.

ومهد فحص لمحاضرته بقوله: «ان موضوع حقوق الإنسان موضوع مطروح، ولكني حاولت الدخول إليه من منفذ آخر، حين ذهبت إلى الخلفية الفكرية والفقهية والفلسفية، مع دخول غير مباشر لمقارنة ثقافية بيننا وبين الغرب وهي مقارنة لا تهدف إلى ترجيح أحد دون أحد. فهو موضوع لحقوق الإنسان من تجربة خاصة فردية أو جماعية ويئول إلى بيت الفقه والقانون وتنهض فيه الفلسفية كخلفية عميقة وأوروبية. على اعتبار أنهما صوغ بشري للتجلي بناء على المستجد من المعرفة والخبرة المكتسبة لما يفترض أنه ارادة المكوّن في المكوّن له، إرادة الله للإنسان وفي المقام الأعلى من قائمة المكونات الكائن الأول والأسمى الإنسان ما جعله بنطق القرآن والسنة بموجبات التكريم. وفي ذروة هذا التكريم ومن علاماته الساطعة ذلك الشرط الإنساني الذي يرقى به الإسلام الى مرتبته الإلهية «خلقت الخلق لكي أعرف».

وأردف موضحاً «ويزداد الالتزام عمقاً وشفافية ومعنى للكدح إلى الله عبر المنظومة الكونية ومن خلالها بمقدار ما يتيسر للإنسان من وعي بأنه متحقق للحرية. أي أن الإنسان هو موضوع قضية أسمى يسمو بها أو يتسامى. إذ بهذا التوثيق أو التوفيق بين الحرية والغائية تصبح الزوايا أقل حدة وتصبح المسافة المدورة بين طرفي أي انتماء مساحة للقاء وتجاوز الأفكار وتنمية أرصدة المعرفة والارتقاء بالتعدد الى أعلى مستويات التعبير عن الوحدة كمعادل تاريخي وموضوعي للتوحيد تحت سقف الشريعة الذي يكتمل تحديداً بالحق وبهذا يمكن أن نكون بمنجى من إغراءات الفصل بين الخالق والمخلوق بين الله والإنسان، ومكانة الفوستية نسبة إلى فوست في رواية «جوتيه» كشأن نهضوي غربي عقلاني وحداثي وضروري للخروج من اعاقات البنيوية التي أصابت عقل الكنيسة بهدف إعادة التوازن الداخلي للبشر بعيداً عن المعادلة التراكمية التي رسمتها الكنيسة بين الله والإنسان ما أدى إلى تغييب البعد الإنساني».

وإلى ذلك أضاف «وكانت الفوستية رداً غربياً محضاً على مسلك الكنيسة منذ تمت مصادرة الكنيسة للدولة ما أدى في المحصلة إلى جعل الفضاء الضخم حقلاً مزروعاً بالقلق والمنغصات ومنها انفصال الذات مع الآخر على رغم المشهد المترع بالحرية في الغرب والتي انتهت إلى تدمير الذات الغربية في المحصلة، وان افتقارنا إلى الحرية بمعناها النوعي لا الكم جعل الغالب للقصد أو المقصد غير ذات جدوى فسادت ظاهرة التدمير للذات وللآخر وتحولت الحرية من عافية إلى مرض وحولنا غياب الحرية عن حالنا إلى جعلنا موضوعاً قابلاً للاستعمار أي ممهداً للغرب لكي يلغينا أو يصادرنا وان كان يلغي ذاته بالغائنا ولكن هذا لا يعفينا عن مسئولينا في جعل الآخر عاملاً مجاهداً في حين أننا من المفترض أن نتكامل اذ كان الفصال مفضياً دائماً إلى التناحر والعنف أي افقار الحضارة».

وعن تفريغ الحقوق روحاً وتطبيقاً للدولة قال فحص: «ان هناك مفارقة تاريخية لم تأت من فراغ نظري اذ إنها أكبر من حقوق الإنسان أو عزلها عن مقامها الفردي أو الشخصي إلى مقامها القومي، لا بالمعنى الذي يعتني بحقوق الجماعات داخل الكيان الواحد، ما تتجاهله في الوقت الحاضر الحركات الناشطة في حقوق الإنسان في الغرب، أي أن الحقوق قد فرغت روحاً وتطبيقاً للدولة لا بما هي حاضر وجامع بمكونات اجتماعها بل بما هي سلطة حصرية منفصلة وقائمة في تكوينها على الأعلى والأدنى أي أنها هي من الأعلى واجتماعها وأفرادها هم الأدنون والقانون ليحمهم لا ليحكمها أي أنها تستقوي بالقانون على الاجتماع. ومن هنا ما نلاحظه على اجتماعنا العربي والإسلامي من أن أكثر الأفراد الذين يجدون امتيازهم ومكانتهم لمخالفة هذا القانون من جهة ومخالفة القانون في مقابل استقواء الدولة عليهم بهذا القانون من جهة واصرارها على مخالفة هذا القانون من جهة أخرى».

ومبيناً الفرق بين الرأسمالية والشيوعية بهذا الخصوص قال: «ان هناك فرقاً بين الرأسمالية والشيوعية أو الاشتراكية فيما يخص العلاقة بين القانون وحقوق الإنسان يأتي مفارقاً في نسبة الشمولية بين الرأسمالية والشيوعية أو الاشتراكية. فاذا ما كانت الشمولية الرأسمالية أو الليبرالية باعتبارها معبرة عن نهج قوى اقتصادية على درجة أو درجات متكررة بين حالة وحالة أميركا مقابل أوروبا الآن بعد أن كان الأمر معكوساً في عهد الاستعمار الأوروبي حين كانت أميركا أقل درجة في شموليتها».

وعن تعريفه للشمولية الشيوعية أو الاشتراكية وخطرها على المسلمين أوضح «هي شمولية نوعية أو استغراقية لأنها تستند إلى نظام معرفي يغري بإلغاء الآخر والاستعباد الدائم بوضع حد لرأية واعتقاده اذا ما عاند وقرر التشبث بحريته، هذا في حين أن الارتكاب أو الجريمة التي قد تكون معلولة بتعقيدات النظام السياسي أو الاجتماعي أو التربوي يصل التعاطي معها رسمياً إلى الذروة في تعطيل الحق والقانون لأن الطابع المحاباتي يصبح هو المهيمن على التطبيع بمعنى أن عدم الجدية في فصل السلطات يجعل القضاء مؤسسة حزبية بما هو أقرب الى الأعراف الحزبية والارتجال وهذا إشكال تبرز تعقيداته الآن في الصين مثلاً بعد الثورة الثقافية اذ تعطل فيها القانون لأسباب إيديولوجية مراوغة والآن تسعى الصين إلى «لبررة» اقتصادها بما يقتضي ذلك من إشاعة جو من الحرية تساعد على بلورة حال من اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر على رغم حال التوجيه العام الموروثة والذي يجري فيه اختصار القانون بالدولة أي الحزب أي أن اتباع القضايا للدولة أو الحزب ينتج تعقيداً غير عادي ويجعل عملية التحول عسيرة جداً وبطيئة وان كانت مستمرة لأنها أصبحت ضرورة وهذا تحذير لنا نحن كمسلمين لأن الشمولية تترصدنا كما هو ملحوظ في خطاب كل قوى التغيير الإسلامية»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً