العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ

حين ينحاز القطيع الأصولي إلى زوال الطمأنينة

تمثال الحرية والنَّصْبُ على العالم

حضرة، بل حضرات عربية مفتوحة على الهزائم، وجلسات التوقيع على بياض، وحفلات الكوكتيل على مشاهد من الفظاعات الأميركية في أكثر من قطر ومدينة بل وحارة، من الفلوجة إلى خوست التي رفع جل قادتها ملابسهم الداخلية رايات بيضاء في ظل عسفِ وخسفِ المحتل الكريه وجوداً ورائحة.

لا نحتاج إلى استعراض بلاغات مصطنعة لوصف اليوم «الأول» لليوم «الآخر»، كل ما نحتاج إليه هو أن نقرأ ونرى ونشم ونلمس ونتأمل بوعي لا يتم حقنه بأي زيف في المشهد الدولي، في ظل دولة وصلت إلى شبه الذروة من مدنيتها، فيما هي في الحضيض من بهيميّتها وتعاملها مع الإنسان في العالم الثالث كحال طارئة وتهديد لذلك المنجز.

حين تصل الولايات المتحدة الأميركية إلى تلك القناعة المرتجلة بتهديد الإنسان في العالم الثالث لمنجزها المديني، فيما هي تمعن وتعمّق مخططها «التجهيلي» لوأد رؤيته ومحاولاته وقراءاته لمجمل سياساتها، نصل إلى قناعة انها دولة في الصميم من التهديد لأي منجز حضاري إنساني قائم، وأي منجز حضاري سيقدّر له أن يقوم.

حق البصق

على ناطحات السحاب

المدنيّة تحققت من دون منازع لدى أميركا، لكنها تظل وفي العمق من تلك المدنيّة والإمكانات الخرافية على مستوى التكنولوجيا، تظل في الحضيض من «التحضّر»، فالحضارة تضع الإنسان على رأس أولوياتها، وتبيح له مساحة من الرفض ورفع الصوت والاحتجاج والبصق على ناطحات السحاب، والرجل الآلي، وسيارة الفورد، بل وحتى تمثال الحرية ليس لكونه «نُصُباً»، بل لكونه تحول إلى «نَصْب» ليس على الذين ابتلعوا الطعم قبل الميل الأول للوصول إلى الحلم الأميركي، بل في العام 1948 في حادثين لن يتم محوهما ولو أعلن رئيس أميركي في العام 3500 للميلاد إسلامه أمام شيخ الأزهر!

تناسل الفخاخ

أي أفق متحضّر، أو لنقل متمدّن ذاك الذي يخال المتسنّم ذروته انه البارئ والمصوّر والمعزّ والمذلّ؟ أفق أول سماته البارود، وآخر سماته اللحود في بيئة هي في النهاية من تناسل الفخاخ.

يا الله كم الإنسان عرضة للغطرسة حين تذهب أميركا إلى نومها وقد حيّدت حتى الكوابيس!

طرزان المعدّل وراثياً

كأن الأبراج اختزال للشوك، كأن الحفاوة ذهاب آخر نحو استجواب يقيم للعين واليأس والأمل والأنفاس والمشاعر والنوايا بصماتها الفاقعة الفاضحة أمام شاشات تنتظر مثل تلك الفرص التي تؤكد أنها في المتن من القيمة الكبرى للإنسان الخاص بها، إنسان الفضاء «السوبرمان»، وإنسان الغاب المعدّل وراثياً وأخلاقياً «طرزان»، وإنسان المواجهات غير المتكافئة «رامبو»، وإنسان استغلال الفرص وشيوع النبوءات في ظل شبح من التهديدات المصطنعة «جورج دبليو بوش»!

استمالة الطمأنينات

إنْ لم تنتبك الريبة في ظل كل ذلك، ستكون بين اثنين: إما أن تكون في الصميم من تلك المؤامرة، وإما أن تكون في الصميم من الغيبوبة، وفي الحالين معاً أنت متورط بالضلوع في مهنة المؤامرة تلك!

هل علينا أن نستميل السَحَرَةَ والخريطات والأدعيةَ والطمأنيناتِ الفارغةَ لنشعر أننا جزء من تلك المهزلة التي تشهر البسالات والفتن والفحولات وآخر شارات الزوال؟ لنثبت أننا جزء لا يتجزأ من حنطة البشر، وعرقهم، وطقسهم المتقلّب، وأراملهم، ومدنهم الموصدة، ورخامهم الذليل، وقناديلهم الشاحبة؟

خسفٌ في أناقة الهندسة

عن أي أفق نتحدث؟ وبأي مِلاك أخلاقي نحن مشغولون؟ نبدو نماذج أو لنقل دروساً للهشاشة في ظل سيادة ضلال تُتوّج فيه الكلاب الضالّة، وفي ظل كلام هو أكبر بكثير من حناجر هي من دون سمّ الخياط، وفي ظل عصيان ذاتي أمام هول ودنس يستفز الملائكة وهي ضالعة في الجبْر! هل نملك خيارات إزاء خسف متلبّس بأناقة الهندسة؟ وإزاء فَلَتَان يحضرنا في مسوح الشرائع؟ وإزاء خرافات متنكرة في الواقعي من الإهانة؟

أفق مليء بالرفوش

عن أي أفق نتحدث؟... أفق يحول بينك وبين «التمضمض بعد جرعات الأسيد»... يحول بينك وبين التنحي جانباً ليستقر الرصاص في مكانه الأثير... يحول بينك وبين الخروج على النسيان.

أفق مليء بالرفوش. ما الذي تخاله سيردم هناك سوى صوتك الذي لم يجد له مسارب سوى هذا المكان الذي تظنه عصيّاً على بلوغ أعدائك، فيما هو يُطفأ ويُشعل بكبسة زر!

قراءة الذاكرة

هل نحن بحاجة إلى إلحاح يصدر عن السماء بضرورة القراءة؟ إلحاح لا يستدعي وحياً جديداً؟ لكأننا في ظل مجون المحن معنيون أكثر من أي وقت مضى بقراءة مختلفة... قراءة مصدرها الانتباه إلى المرايا الوفيرة من حولنا، أن نقرأ صورتنا فيها وتراث الخيانات، أن نقرأ الحرائق المشتعلة في الغرف والمحاريب والمواكب بل وحتى الذاكرة! أن نقرأ ذاكرتنا كما يجب، أن نزيل عنها غبار الغياب، وأن نبدأ الدرس من أول الأجنحة لنصنع حضوراً لائقاً يعيد للدهشة وردتها وللتأمل مداه!

مجزرة المصادفات

عن أية ذاكرة نتحدث هنا؟ هل نجازف بالقليل المتأخر من الوقت كي نلحق بما تم؟

انحاز القطيع الأصولي الأميركي لزوال الطمأنينة من العالم، انحاز لمجزرة المصادفات والمؤامرات، انحاز للبذخ السري في لعبة السياسة، انحاز لمجازفة لن تبقي ولن تذر، وليس بالضرورة الآن، ربما في العام 3500 للميلاد حين يعلن رئيس أميركي أنه موسى المخلّص وأمام حاخام يتاجر في الأعضاء البشرية!

بين السنترال

بارك والكابوس الأميركي

تتذكر معهد ماسوشوسيتس، وجامعة جنوب كاليفورنيا، وهارفارد، وهيمنغواي، وآرثر ميلر، ومتحف نيويورك، وأديسون، وآن سيكستون، وتوماس روبن، ورياضة الاقتراع، ومالكولم إكس، ومارتن لوثر كنغ، ورواية الجذور لـهيلي، وجيسي جاكسون، ونيل آرمسترونغ، وسنترال بارك، وفرانكلين، وإدوارد سعيد، ونعوم تشومسكي، وعزرا باوند، وتوم هانكس، وآخرين، عدا عن برج التجارة العالمي الذي كان شارة لانقلاب الحلم الأميركي إلى كابوس امتد لليل العالم!

لم يعد لغزاً أو عروة للمؤامرات ما يحاك في النهار الأميركي، في سبيل تأبيد ليل الآخر، ليلنا المضاء بالأعراس المؤجلة، وشح السهر، وانهمار مواسم الدفن، وصلوات الخوف، والقراءات المتعجّلة، و«عواء يمتدح الرعب»، والمصابيح الغابرة.

نبوءة الجلوكوز

تزدهر النبوءات حين تتفشى الأصوليات، التي لم يأت جلها على متن الصليب، بل على متن ناقلة نفط، أو حقول قيد الاكتشاف، أو حاملة طائرات، أو على متن صناعة الدمار اليومي. والنبوءات الصادرة عن محيط بهذه المواصفات والإمكانات لا تبشّر بالمخلّص الديني بقدر ما تبشّر بالمخلّص السياسي أو «شايلوك» من نوع آخر، وفق أجندة دولية تتجاوز المكان الخاص لتنطلق في البشارة من نيويورك إلى هيرات، بعقوبة، دير الزور، مشهد، النبطية، وصولاً إلى مدافن سار!

ولن تكون نبوءة أسلحة الدمار الشامل في العراق آخرها. ألم تكشف لنا النبوءة تلك عن سر امتلاك ليبيا لأسلحة دمار شامل، ولن تكون مفاجأة لو كشفت النبوءة ذاتها عن حقيقة مضادة تبعث على التندّر مفادها: ان ما تم اكتشافه لا يعدو كونه براميل من (الجلوكوز)! و بالمفهوم الأصولي الأميركي يحق للنبوءة أن تستدرك أو تصحح نصها المتحرك متى وأنّى شاءت!


هل يقبلون بالمارلبورو عربون انسحاب؟!

لا أتحمّل رؤية شيخ يذلّه عدّاء

لا أتحمّل بكاء طفل في رحمة أعياد

لا أتحمّل بكاء أم في محرابها تتذكر أبناءها الغرباء

في مهب الجهات والعواصم

لا أتحمّل أطفالا يلوحون بسجائر المارلبورو

أمام رتل من الدبابات الغازية

عربون انسحاب لا يكلّف أحداً

مجالس عزاء أو نعياً في الصحف

لا أتحمّل رؤية جثة وهي تذكّرني بالاستغراق في التأمل

ولكنني أتحمّل رؤية تمثال الحرية في نيويورك

وقد تحوّل إلى فخ لاستدراج البشر من الجهات الأربع

لكوابيس الحادي عشر من سبتمبر

لأن أميركا لم تعد أميركا

إذ باتت محفزاً أول

على ضرورة أن تبدأ القيامة

هدايا52B

ما الذي ستحمله إلينا 52B؟

سوى انهماك في إزالة الركام

وانهماك آخر في مواراة أحبة خلّفتهم

من دون أطراف أو ملامح؟

ما الذي سيحمله إلينا البيان الأول

بعد أن استوت الأصولية الأميركية

على عرشها في البيت الأبيض

سوى مزيد من العربدة باسم الله؟

ما الذي يمكن أن يقدمه لنا دونالد رامسفيلد

سوى مزيد من القبح والأنفاس الكريهة؟

ما الذي سيحمله إلينا جهاز الاستخبارات الأميركية

سوى مزيد من الاحتياط في غرف النوم

فيما يلقى القبض عليك وأنت تمر بجوار ثكنة عسكرية

أو مطار في بلدك وأنت تحمل الكاميرا!

أمين صالح (سيدة المساء)





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً