العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ

الجنة "Heaven"... إنه الفردوس ولكن لدقائق فقط

فيلم المخرج توم تايكر Heaven الذي قدمه في العام 2000 والمأخوذ عن نص كتبه منتج الأفلام ومؤلفها وصاحب الروايات والنصوص التزامنية البولندي كريستوف كيسلوسكي يثير الكثير من علامات الاستفهام، لكن هذه المرة كيف كتب كيسلوسكي نصه هذا، هل ذهب إلى السماء؟ وإذا كان قد ذهب فكيف كان المنظر هناك؟

توفي كيسلوسكي منذ ستة أعوام عن عمر 54 عاما تاركاً شريكه في الكتابة على مدى أعوام طويلة كريزيستوف بيسيويكز لينفذ مشروع ثلاثية الجنة، الجحيم والعذابHeaven، Hell and Purgatory ، الذي كانا قد بدآه معاً، مع عدة مخرجين شباب، والذي يرجع فضل تقديمها الآن الى الألماني توم تايكر، الذي كان قد قدم مسبقاً الفيلم الشهير Run, Lola, Run ، وذلك في العام 1999.

مر عقد الآن على المرة الأولى التي تم فيها تقديم ثلاثية كيسلوسكي التي كانت تمثل نقطة إزدهار في فن السينما الأوروبية، والتي لم تكن منفرة ومبالغ فيها لدرجة كبيرة إلا في حالات معينة، ومن الأعمال التي أكسبته سمعة عالمية:Dekalog, The Double Life of Veronique, Three Colour Blue, White and Red, ، هذه الأفلام على رغم ما يتضح من بساطتها هي في واقع الأمر صعبة ومعقدة للغاية، ابدعتها موهبة كيسلوسكي التي لا يمكن انكارها وعبقريته في إنتاج الأفلام وهي العبقرية التي سحرت محبيه بسبب تداخل محتوى أفلامه الأخلاقي والعاطفي والفلسفي بطريقة رائعة.

في فيلم Heaven يتناول كيسلوسكي قصة فيليبا (كيت بلانشيت) وهي مدرسة إنجليزية تعيش في مدينة (تورين) الايطالية تحاول أن تقتل تاجر مخدرات كبير وذلك عن طريق وضع المتفجرات له، وتقول فيليبا إنها ولسنوات عدة كانت تراسل رجال الشرطة المحليين (الكاربينيري) مناشدة إياهم باعتقال الرجل الذي تعتقد أنه مسئول عن موت زوجها وكذلك موت الكثير من الطلبة بطريقة غير مباشرة (كان ذلك أحد أخطاء الفيلم إذ لا يوجد أي فيلم على الإطلاق يستطيع فيه رجال شرطة الكاربينيري القبض على أي رجل).

يفشل حادث التفجير الذي تدبره فيليبا إذ يقتل فيه أربعة أشخاص بدلاً من أن يموت تاجر المخدرات، وبسبب شدة حزنها تعترف فيليبا بجريمتها أمام رجال الشرطة وعندها يقع في حبها ضابط شرطة شاب يدعي فيليبو (جيوفاني ريبسبي) فيحررها من السجن ويساعدها على إتمام مهمتها.

فيلم Heaven هذا يحاول الاجابة على السؤال الآتي: هل يخلصنا العقاب من الخطيئة أم أن ما يخلصنا منها هو ارتكاب جريمة قتل والارتماء بين ذراعي شرطي مخبول مبتدئ؟

الأكثر من ذلك هو أنه على رغم ان تراث كيسلوسكي السينمائي آمن في أيدي أسود أوروبيون شباب مثل توم تايكر، الذي يمثل هذا الفيلم خامس أفلامه والذي يمنحه فرصة كبيرة للظهور، الا ان الكثيرين ممن شاهدوا فيلم تايكرRun Lola Run ، الذي حقق نجاحاً كبيراً، لمسوا بعض القضايا التي يتناولها فيلمه هذا والتي لا تتناسب مع اهتمامات كيسلوسكي وتوجهاته مثل تناول قضايا القضاء والقدر والحصول على الفرصة المناسبة، والاستقلالية الذاتية (بالإضافة إلى جاذبية عيون المرأة).

تايكر لم يضف شيئا إلى رصيده بفيلم Heaven، ففي الدقائق الخمس وأربعين الأولى من الفيلم نرى إثارة هزيلة ومليئة بالتوتر إذ يتم عرض جريمة فيليبا بشكل ضعيف قبل أن تبدأ هروبها الجريء مع فيليبو من سجون الكارينباري، يتم كل شيء بسرعة لكن الشيء الوحيد الذي يتحرك ببطء في الفيلم هو تصوير قوات الشرطة الإيطالية.

وللانصاف فقد أولى تايكر اهتماما كبيراً بممثليه الرئيسيين، ولذلك فقد كوفئ بكيت بلانشيت وجيوفاني ريبيسي، والأخير تحديداً لديه القليل فقط ليستمر. التفصيل المهم الوحيد الذي نعرفه عن شخصية فيليبو يأتي من المشهد الافتتاحي للفيلم وهو مشهد غير واضح ترتفع فيه الكاميرا الى السماء ونسمع فيه فيليبو يتساءل بصوت عال «إلى أي مدى أستطيع الطيران؟». هذه هي العبارات التي يتحدث بها الشخص الذي سيصبح بعدها ملاكاً وبالتأكيد لم يكن الأمر مجرد مصادفة أن يتصرف ريبيسي ويتحرك مثل ملاك أرضي مصاب بسوء في التغذية، أما بلانشيت فقد بالغت كثيراً في إظهار مشاعرها.

لسوء الحظ، يرخي تايكر قبضته في اللحظة التي يستقل فيها الهاربون القطار المسافر من المدينة، وعندما يسرعون نرى الكاميرا تصور لنا نفقا مظلما مضاء في نهايته، لينتهي المشهد باللقطة التي نرى فيها منظفا يحمل القنابل التي أعدتها «فيليبا» بغباء في مصعد زجاجي، وبعد ثوانٍ من إغلاق الأبواب، يحدث الانفجار فتحة بمقدار بوصتين بين الأبواب، حيث ينبعث الضوء من هذه الفتحة، وكذلك عند ما يلجأ كل من فيليبو وفيليبا إلى غرفة علوية في سجن الكارينباري، حين يقوم تايكر بسخرية بالسؤال عن وجود الجنة او عدم وجودها .

بعد ذلك نرى فيليبو وفيليبا يجولان في منطقة ريفية من دون أي هدف واضح وهما يناقشان طبيعة علاقتهما، ولتوضيح قوة هذه العلاقة يعرض تايكر مشهدا لهما وهما يحلقان رؤوس بعضها ويرتديان أقمصة بيضاء تتناسب مع أسمائهما المتناغمة. المشكلة هي أن بلانشيت وريبسي يبدوان كأرواح متشابهة في رحلة إفلاطونية للخلاص من الخطيئة. ويمكن أيضا ان يكون المقصود أن نرى نوعا من الأمور العبادية في تواطؤ فيليبو وفيليبا شبه الأخرس، ومن يدري؟ فقد يكون النص صامتا عند هذه المشاهد وهذا امر سيئ جدا لأنه من دون أن تكون هناك رواية لتايكر فسيكون من الصعب استثمار النصف الثاني بزخم دراماتيكي.

بالاضافة الى ذلك فإن معظم ما يعرض عن إيطاليا يبدو كما يقع على جوانب إناء صلصة المعكرونة، فكل ما نراه هنا ممثلاً لهذا البلد هو رجل شرطة ممتلئ الجسم، أو مشهد زواج على طريقة الفريسكو في القرى الواقعة فوق المرتفعات، ومنظر لمنازل التوسكان المبهجة.

قد يلام كيولسكي لأن فيلمه يشتت المشاهدين بطريقة مقصودة إذ ينقلهم جيئة وذهابا بين بولندا وفرنسا، كما إن هذه الفيلم يهتم بالتفاصيل ففيليبا فتاة إنجليزية تعيش في إيطاليا ولذلك نرى الحوار يمزج بين الإنجليزية والإيطالية، وحتى خلفيتها الأسرية تبقى غامضة بصورة تثير حنق المشاهد، كما ان أكثر ما يزعج المشاهد في الفيلم هو استخدام إيطاليا كستارة خلفية وللديكور فقط

العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً