قد تكون الحالة العراقية مثالاً صريحاً لظاهرة الصراع الطائفي في منطقة الخليج العربي، وهي المنطقة المختلف على تسميتها وفق اعتبارات طائفية صرفة. فمع بدء الغزو الانجلو أميركي للأراضي العراقية في العام 2003 برز موقفان تجاه هذا الاحتلال، الأول أعلن معارضته صراحة لهذا الغزو باعتباره شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد، والآخر لم يعلن معارضته وإنما التزم موقف الحياد تجاه التطورات الإقليمية في المنطقة.
إن اتخاذ المواقف لا يعد إشكالاً، وإنما الإشكال هو في طبيعة هذا الموقف والمبررات المختلفة التي تقف خلفه وتسانده وتضمن ديمومته. وعادة ما ترتبط المواقف بثلاثة أمور هي: الانتماء والأيديولوجيا والمصالح. فإذا كانت الأيديولوجيا تدفع نحو اتخاذ مواقف تحمي مصالح فئة أو طائفة فتلك مشكلة لأنها دليل على وجود خلل في الانتماء الذي يجب أن تكون مكوناته مرجعاً للسياسات والمواقف المتخذة كافة من قبل كل طائفة وتضمن التوزان في العلاقات الإثنوطائفية.
وفي ضوء ذلك فإن ما حدث من تفاعلات محلية في المجتمع البحريني مع تداعيات الأوضاع وتفاقمها في العراق يكشف حجم الخلل الجاري في الانتماء. فعلى رغم القناعة بوجود الروابط العروبية والإسلامية لشعب البحرين فإن ثمة مسلكيات تدعو إلى طرح جملة من الأسئلة في ظل التصرفات والتناقضات المتكررة من قبل المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني المعبرة عن البنى التقليدية في المجتمع.
فعندما برزت أزمة الاعتداء على المقدسات الإسلامية في النجف الأشرف تصدّت المؤسسات الشيعية للدفاع عنها، ولم تحظى بالاهتمام ذاته لدى المؤسسات السنية. والأمر اختلف لاحقاً عندما قامت قوات الاحتلال بمهاجمة مدينة الفلوجة فجر الاثنين الماضي، إذ انبرت بعض المؤسسات السنية للدفاع عن السنة في هذه المدينة ولم تظهر اهتمامات واضحة لدى المؤسسات الأخرى الشيعية.
مثل هذا التناقض الحاد يؤكد وجود أزمة انتماء وهوية لدى المنتمين إلى المؤسسات السياسية المختلفة القائمة على بنى تقليدية، بحيث يزداد الانتماء الطائفي بشكل جلي أمام الانتماء العروبي والإسلامي العام. وينبغي التأكيد أن هذه الأزمة ليست مقتصرة على طائفة دون أخرى، وإنما هي موجودة لدى السنة كما هي موجودة لدى الشيعة. والأهم من ذلك أن القضية العراقية اليوم أصبحت لها تداعيات وانعكاسات على النظام السياسي البحريني، فالصراع الطائفي الذي تحاول سلطات الاحتلال الانجلو أميركي إشعاله بين أبناء العراق لم تظهر إرهاصاته في المدن العراقية فحسب، وإنما امتد ليشمل مناطق أخرى أبعد من الحدود العراقية، وهو ما نراه اليوم في البحرين من مواقف متباينة ناجمة عن أزمة انتماء وقصور في فهم معطيات الواقع وتحديات المستقبل.
محاولات التطييف التي تسعى إليها القوى العظمى والكبرى في العراق يجب أن تكون دروساً للمجتمع البحريني، وتدفعه نحو مزيد من الوحدة الوطنية بدلاً من الرهان على تحقيق مكتسبات طائفية يمكن أن تحقق إنجازات واقعية خلال المستقبل القريب لاسيّما في مجال الحكم ونيل السلطة، ولكنها ستحقق إخفاقات عظيمة في المستقبل البعيد عندما تزداد حدة الصراع الطائفي والذي قد يصل إلى مراحل متقدمة من العنف الطائفي كما وقع الكثير من البلدان الإفريقية
العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ