العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ

كم عرض يُنتهك في كل يوم؟!

قبل وبعد مأساة «الإندونيسية»...

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

كُشفت خيوط اللعبة، وتصرفت الضحيةُ بحكمة، وقُبض على متهمٍ ونجت متهمة أخرى واختفى آخرون... نُشرت القصة بتفاصيلها في الصحافة، تحركت بعض كوامن الغيرة والنخوة في أهل الخير، توالت الاتصالات وأخذت القضية حيزاً من الاهتمام الإعلامي والمحاماتي والمؤسساتي... وربما يخسر «المتنفذون» القضية (وهذا مستبعد!) وربما في عالم المستحيل ستأخذ الضحية حقوقها القانونية وترجع إلى بلدها بكرامتها المهدورة... وماذا بعد؟!

هل انتهت القضية إلى هذا الحد؟ هل استُحكمت القبضة على منابع الدعارة؟ هل جُففت «بواليع» الجنس والفاحشة (أعز الله القارئ)؟ هل كل «مغتصبة» تمتلك جرأة وحكمة تلك الخادمة (هذا إن لم يكن برضاهن)؟ هل طأطأت مؤسسة رسمية واحدة رأسها خجلاً لما حدث ويحدث؟ هل صدرت حزمة قوانين رسمية تجرّم وتشدد العقاب على هذه الممارسات الشنيعة، أم أن الحكومة منشغلة بقوانين «التجمعات والمواكب» رغبة في استعادة ذكريات «أمن الدولة» الذي لم تمض على رحيله سنوات؟!

ضريبة التطوّر...

قبل عشرين عاماً أو تزيد قليلاً كنا في كل عام أو بالكثير في كل ستة أشهر بالكاد نسمع أو نقرأ عن حادث اغتصاب أو جريمة زنا واحدة تقع في هذا البلد «المسلم»، وكانت الدنيا تهتز والفرائص ترتعد والأبواب توصد والعيون تحدق في الأبناء والبنات خوفاً وورعاً. أما اليوم فببركات التطور الحضاري صرنا نقرأ في كل يوم ثلاثة أخبار أو أكثر من هذا النوع في الصحافة. تلك الأخبار (ذات النكهة البحرينية) ما هي إلا قضايا تطفو على السطح وتصل إلى أروقة المحاكم ليمسح القضاة على رؤوس الجناة بأحكام (مخففة) احتراماً لـ «الهوامير» وليس للشرع. وما هي إلا ما يفتضح من أمر القليل، بينما ما تخبئه الكواليس أدهى وأعظم بآلاف المرات مما يصل إلى اسماعنا.

الكثيرون يعرفون أن البحرين أصبحت مرتعاً للعربدة ووكراً للرذيلة، وإذا شئتم المزيد فاسألوا بعض النزيهين من سواق الأجرة والتاكسي، سيقرحون أكبادكم بمآسٍ تكاد تتفطر لها السموات والأرض، تحدث يومياً على أرض البحرين الطاهرة. لأن طبيعة عملهم تجعلهم يحتكون بهذا الواقع المر. فقد حدثني أكثر من رجل تاكسي عن قصص مأسوية أغرب من الخيال عاينوها بأنفسهم، ربما لو سردتها هنا لأحدثت ضجة كبيرة في الشارع البحريني. لأنها تلامس أعراض بني البحرين فضلاً عن الأجانب!

«يا ما تحت السواهي دواهي»!

المهم في الأمر هو: ماذا بعد كل ضجة تُثار بشأن فضيحة تلو فضيحة؟ هل سنكتفي بالإثارة والتهويل وتنكيس الرأس والتأفف لواقع الحال كلما حدثت فضيحة ظاهرية، بينما نصد عما يجري في الخفاء من أجواء مهيِّئة لهذه الأمور؟ صحيحٌ أن الفاحشة كالغدة السرطانية تستشري في جسد المجتمع ولا يمكن إيقافها تماماً، ولكن في عنق مسئولي الدولة الكبار أولاً تتدلى مسئولية اجتثاث أسباب هذه الغدة الخبيثة، لأنهم القائمون على هذا الجسد الاجتماعي وشئونه وبالتالي فهم أدرى بالمنافذ التي تتسرب منها هذه القاذورات الجنسية وهم الأقدر على إغلاق هذه المنافذ بإحكام في وجه جميع المتنفذين (من دون استثناء) ومن لهم يدٌ طولى في حماية مرتكبي الجرائم اللاأخلاقية من حكم القانون.

حتى لا يشملنا العذاب جميعاً...

لابد للمسئولين أن يشددوا الرقابة أكثر على ما يدور في الفنادق (بشتى نجومها)، والمراقص والحانات الليلية، كما لابد من تسخير إعلام الدولة من أجل إصلاح المجتمع لا إفساده. وما يطرحه «إعلامنا عموماً» فيه ما فيه من الإزدواجية وبث السموم التي تهيج الشهوات وتشجع على الخلوات المحرمة من أفلام ومسلسلات هابطة.

ولنا أن نسأل: كم فلم خالٍ من مظاهر الحشمة والفضيلة يبث على الفضائية البحرينية طوال العام؟ هذه البرامج هي التي تشعل فتيل الغرائز الجنسية وتشجع على طَرْق أبواب الرذيلة للموظفات ولبنات الهوى ولمرتادات الفنادق وللطالبات في المدارس والجامعات بل وللبنت حتى في منزلها وهي جالسة على الانترنت، حتى يصل الأمر إلى هتك عرض العاملات الأجنبيات! إلى هنا من المسئول الأول؟

البحرين محتاجة الى سياحة (نظيفة) بمعنى الكلمة لا بالتطبيل الاعلامي، فالسياحة النظيفة تحتاج الى قوانين صارمة للحد من تفشي الدعارة في المجتمع، وتحتاج الى فتح المجال الى نشر الكلمة الطيبة ومشروعات الخير والتوعية. وحبذا لو أوجدت وزارة الاعلام برامج بديلة تحفظ المجتمع من فسق الفضائيات وزيغ الإنترنت قدر الامكان، وتخصص الموازنات الضخمة لمثل هذه المشروعات لا للحفلات الغنائية والراقصة التي تشجع على الانحلال.

طبعاً... ليست الحكومة وحدها يقع على عاتقها علاج هذه المشكلة، بل يأتي في الدرجة الثانية العلماء والدعاة والمؤسسات الاجتماعية والخيرية وكذلك أفراد المجتمع. فإذا نزل العذاب على أمة بسبب طغيانها وفسادها فسيشمل الجميع من دون استثناء ولن ينفعها نفطها ولا تكنولوجياتها. وينادي المنادي: ألم يأتكم نداءالرحمة، «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة» (التحريم:6)؟فهل نتقي غضب الله قبل حلول العذاب؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً