قبل أيام وصلتني أكثر من رسالة اعتذار من بعض شبابنا الأعزاء ممن أشبعوني ضرباً وطعناً وعضاً لموقفي من ثنائية المشاركة والمقاطعة، فقد أصيب البعض منهم بدوار وبصدمة لما نشر أخيراً عبر الصحافة من تصريح يتعلق بأن خيار العلماء كان خيار المشاركة... بعض هؤلاء كان اعتذاره بكائياً ومليئاً بالتفجع والحزن لما قام به من دور مستأسد. فهمت من عبارة الرسالة أن صاحبها كان من المتورطين في حملات التصفوية المعنوية طيلة السنوات الثلاث الماضية. رددت عليه فقلت له: «لا بأس، كلنا نسعى من أجل هذا الوطن ولكن حاولوا أن تحافظوا على إخوانكم في العمل وأن يكون القلب متسعاً لكل الآراء، فلا يقينيات في السياسة ولا عصمة في القرارات السياسية. الكلام في المقاطعة أو المشاركة لا يخرجنا من ربقة الإسلام. يجب أن يكون قلبنا واسعاً لتلقي كل الآراء وكل الآراء قابلة للنقض مع التحولات... أهم شيء أن نصفي النية مع الله ولا نظلم أحداً، فالإمام علي (ع) يقول: «اعرف الحق تعرف أهله». يجب أن يكون مقياسنا للأمور بقراءة الواقع وتعقيداته لا بالشخوص.
أنا لست متعصباً للمشاركة أبداً وليس لدي صك من الجنة ولا أحمل يقينية صحة الدخول ولم أشتم أحداً من إخواني، وكل ما دعوت إليه هو مناقشة الموقف بأسلوب بعيد عن الانفعال، ولم التجئ إلى أي خطاب تخويني لمن قاطع، هذا على المستوى العام، أما على المستوى الشخصي فلم أخفِ على الناس موقفي بل قلت ذلك في الصحافة، وذهبت إلى صندوق الاقتراع مع زوجتي وشاركنا نحن الاثنين وكتبت ذلك أيضاً قبل سنتين ونصف السنة، وسعيت إلى إقناع من أعرفه من دون أي إملاء أو ترهيب، وكنت أحترم كل الآراء الأخرى من دون أن أسعى إلى ضربها من تحت الحزام، ونظّرت إلى المشاركة في محاضرة في مجلس الشيخ الجمري، وكتبت أكثر من مقال. ولا أخفيكم أن الضريبة كانت كبيرة ولا توجد وسيلة صغيرة أو كبيرة من وسائل التشهير إلا مورست ضدي، ومضايقات بلغت مداها، وحتى أضعها في سياقها غير المنفعل كانت مضايقات من قبل شباب نياتهم خيرة، لكنهم للتو في مقتبل العمر لكن الصوت كان مرتفعاً ومنفلتاً من عقاله ويشكل إرباكاً للإيقاع العام، لهذا الكثير منا مازال يوصي باحتضان هؤلاء الشباب والسماع لهم ومحاولة تفهيمهم تعقيدات السياسة التي لا تحل بشعارات مختزلة. طبعاً، الحكومة مطالبة بإعطاء البرلمان صلاحيات أكثر، فاللائحة الداخلية لائحة متخلفة قيست بعقلية غير منفتحة، لهذا حتى يضمن المسئولون ممن ينصحون بمشاركة المعارضة في العام 2006 للخروج من مأزق الاحتقانات يجب أن تعطى شيئاً من بعض الصلاحيات الإضافية، لهذا نتمنى استمرار الحوار المتلكئ وهذا ما نشعره من خلال تصريحات وزير العمل. أعتقد أن ليس هناك إرادة جدية للحوار، وإنما هو للاستهلاك المحلي وللعب على الوقت، ذلك لأن هناك من أفرحه - في وزارة هنا أو هناك - عدم دخول المعارضة المشاكسة والموجعة للرأس تحت قبة البرلمان.
طبعاً، دعوني أخبركم بطرفة جميلة أضحكتني كثيراً، إذ قرأت خبراً مفاده «أن كتله الأصالة تهدد بعدم المشاركة في 2006»، أعتبرها أقوى نكتة سياسية. حقيقة أردت أن أبلع الخبر لكني لم أستطع، وهذا يذكرني بموقف آخر حدث بعد الانتخابات، فقد جاء أحد رموز الأصالة إلى جمعية «الوفاق» بعد أن انفض سامر الانتخابات وبعد أن فازت الأصالة بالمقاعد وبعد أن طارت الطيور بأرزاقها، جاء هذا الأخ إلى «الوفاق» يبدي أسفه للمشاركة، وانه ربما يفكر في الاستقالة. وها نحن نشهد في البرلمان مقترحات عن البرقع والسيارة وشم الغراء والعيدية، والأخطر الدفع إلى سن قوانين لتقييد الحريات، وأصبح الناس يسبون على الملأ كما حدث في قضية شارع المعارض عبر البرلمان، وتوقفت ملفات: التأمينات والتقاعد، التمييز، التجنيس، وراحت تقلب بصورة معكوسة، في الوقت الذي كان بإمكان المعارضة أن تجعل رئيس البرلمان منها.
ملعبنا أصبح في الخارج، وبقينا نلعب لعبة إحباطات من حيث لا نشعر... مسئولون في السلطة يوزعون إحباطات على الناس، ومعارضة مقيّدة إذ أصبحت خارج اللعبة البرلمانية، وكانت النتيجة ما نشهده اليوم من انتكاسات مخيفة.
دفاع الحكومة عن الوزير سيف سبّب إحباطاً آخر على رغم اكتمال أركان الملف. بقاء ملف الأوقاف ساعد على ذلك، ما يجري من توظيف تلفوني في الوزارات والتي منها الصحة والكهرباء وديوان الخدمة المدنية وقس على ذلك زاد من الإحباط أكثر وأكثر، كذلك هناك نقطة مهمة هي أن النخب المعتدلة مازالت تخشى من إبداء رأيها، فهي إلى الآن تخشى من سلاح التشهير وتكتفي بالهمس من وراء جدر في الغرف المغلقة وهذه الأصوات منثورة في كل مكان في البحرين، في الجمعيات السياسية، في الجمعيات التجارية، في الصحافة، في... مازالت تخشى من إبداء رأيها، وهذا أسلوب خاطئ. الإنسان خليفة في الأرض، يجب أن يبدي رأيه بكل شجاعة ولكن باتزان من دون أن يجرح من يختلف معهم في الرأي. سعد زغلول كان يقول: «إنني رجل قد وطدتُ نفسي على الدفاع عن الحق وأن أتحمل فيه كل مكروه ولو كان آتياً من الذين أدافع عنهم»
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ