العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ

من سيلعب دور «حارس الزنزانة»؟

جرياً وراء السراب الأمني ثانية!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في فترة من فترات انتعاش السجون واكتظاظها بالنزلاء السياسيين في هذا البلد، وبسبب سوء الأوضاع المعيشية والانسانية في ردهاتها، كانت تحدث بين فترةٍ وأخرى إضرابات وحركات احتجاجية للمطالبة بتحسين الأوضاع، وهو ما لم يكن يعجب إدارة السجون، باعتبار أن سجون البحرين «من أرقى السجون في العالم»! ولمعالجة هذا الوضع كانت كثيراً ما تلجأ إلى القوة والهراوات لقمع السجناء وتحطيم إرادتهم. وفي كثير من الأحيان تفشل القوة في تحقيق الأهداف المرغوبة والمعلنة لمستخدمها.

في بعض الفترات أخذت إدارة السجون باللجوء إلى وسيلة أخرى، وهو «تعيين» أحد السجناء في منصب «حارس الزنزانة» بالقوة رغماً عن إرادته ليكون مسئولاً شخصياً أمامها عن أي إضراب أو احتجاج أو حتى كتابة رسالة بالمطالب المشروعة للسجناء. وكان من الطبيعي أن تفشل هذه الطريقة المستهجنة أيضاً، لأنها لا تحاول البحث عن حلول للمشكلات وإنما القفز عليها وتأجيل حلّها يوماً بعد آخر.هذه السياسة التي مورست في السجون في مطلع الثمانينات وربما قبلها، لم تنته إلاّ بانتهاء عهد «أمن الدولة»، ولم تحصد منها إدارة السجون إلاّ الهشيم. فهي أدّت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية للمعتقلين على امتداد ثلاثة عقود، وزيادة معاناة آلاف السجناء من أبناء هذا الوطن، ومعاناة عوائلهم وأبنائهم وذويهم، وهو أمرٌ لا يفهم معناه النواب الأفاضل الذين طالب بعضهم بعبارة «صاحب السعادة» مساواة بالوزراء! كما لا يفهمها هؤلاء الكتبة النادبون المنادون بإرجاع قانون أمن الدولة في ثوبه المهترئ «الجديد»!

استنساخ تجربة فاشلة

هذه التجربة التي لم يسمع عنها هؤلاء وهؤلاء، وربما لم تخطر على بال الكثير من المواطنين، نخشى أن يتم استنساخها مرة أخرى على مستوى الوطن، وهو ما توحي به وتنصّ عليه صراحة مواد مقترح القانون الجديد، فيتم فرض مندوبين بالقوة على الاجتماعات العامة والندوات والمسيرات الشعبية والمواكب الدينية... كل ذلك ردّ فعل لأن شخصاً واحداً تفوّه بكلمات غير لائقة، فيؤخذ جميع شعب البحرين بجريرة شخص واحد، ويكون المجتمع المدني كله مداناً ملعوناً لهذا السبب، ويتم تفصيل قانون للكبت العام ومصادرة حرية المجتمع. هذا ولم يدافع أحدٌ عن أية تصريحات صادرة من هنا وهناك، أو تجاوزات حدثت أو تحدث ضد القانون.

ما يهمنا التنويه إليه مرة بعد أخرى، هو أن اللجوء إلى سلة القوانين البالية والتضييق على أنفاس الناس، لن يحقّق الهدف الذي يسعى إليه واضع مسودة القانون على الإطلاق. فقانون «أمن الدولة» الذي حكم البلاد انتهى إلى مآسٍ وويلات على الوطن كله: إنساناً واقتصاداً وتخلّفاً وضع البلاد في آخر القافلة الخليجية، كما توحي به افتتاحيات بعض الصحف المستيقظة حديثاً «من رقدة العدم» كما يقول الشاعر الفارسي عمر الخيام. وإذا أردتم العلاج فابحثوا عن طرقٍ لحل المشكلات المستوطنة، من فسادٍ وتمييزٍ ومحسوبيةٍ و... وليس الهروب من مواجهة استحقاقات المرحلة الإصلاحية وما تستدعيه من علاجات جراحية نجبن عن التفكير فيها حتى الآن.

عقلية اللجوء إلى خيارات العنف والكبت والملاحقات مورست في الشارع أيضاً، ونذكّر بما حدث للمواكب الدينية ذات «الحساسية» التاريخية لدى قطاعات واسعة من أبناء هذا البلد، ففي فترةٍ من فترات اشتداد القبضة الأمنية سعت الجهات الأمنية إلى الضغط على إدارات المؤسسات الدينية لممارسة دور «حارس الزنزانة» لمنع خروج المواكب، ما أوقع هذه الإدارات بين المطرقة والسندان: فهي أعجز من توفير هذه «الحاجة الأمنية» لطالبها، فيما أصبحت متهمة في نزاهتها وأهليتها وحتى دينها! والنتيجة أخذت الجموع تتجمهر في الشارع وتسيّر المواكب في الطرقات، ولم تنجح عملية استنساخ «حارس الزنزانة» في تحقيق الهدف المعلن والمرغوب.

الآن، أمام القانون الجديد، ستجد إدارات الجمعيات السياسية والإجتماعية والأندية والمراكز الثقافية واللجان الثقافية في المآتم والجمعيات الاسلامية والصناديق الخيرية مرغمةً على ممارسة دور «حارس الزنزانة». وبدلاً من البحث عن علاجات لأمراض البلد المستوطنة منذ عقود، نرى أنفسنا نلهث وراء سراب الحلول الأمنية التي ما دخلت بلداً إلاّ أفسدته. وفي لحظة تاريخية يشوبها بعض الاهتزاز الخفيف، يراد استغفال الشعب، بتكرار مشهد العام 1975، لينتهي بارتهان المجتمع المدني برمته ووضعه في قفص القانون الجديد، باسم نواب الشعب هذه المرة. وعلينا أن ننتظر عشرين أو ثلاثين عاماً أخرى لنكتشف من جديد عقم هذا الخيار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً