العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ

الجانب السياسي لمعركة الفلوجة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا تريد واشنطن من وراء اجتياح الفلوجة؟ قراءة الجواب تنطلق من الجانب السياسي لا العسكري. فالفلوجة عسكرياً ليست ذاك الحصن المنيع الذي يصعب اختراقه أو إسقاطه. فالمدينة أثبتت ممانعة وصمدت أكثر من التوقعات، ولكنها في النهاية صغيرة نسبياً في مواجهة إمكانات هائلة تملكها قوات الاحتلال.

من الناحية العسكرية لا تجوز المقارنة بين مدينة معزولة ومحاصرة وبين إمكانات مفتوحة على كل أنواع الأسلحة التقنية المتطورة. وبالتالي فإن نتيجة المعركة محسومة منذ الآن على رغم كل الادعاءات التي تروج لها أجهزة الدعاية الأميركية لتبرير استباحة الفلوجة وتقويضها. فالمعركة ستنتهي ومن دون أوهام باحتلال المدينة والادعاء أمام العالم أن إدارة واشنطن حققت إنجازاً فريداً من نوعه. فهذه من ضمن الأكاذيب التي دأبت إدارة الاحتلال على ترويجها. فالحرب أساساً قامت على منطق الأكاذيب. وأميركا تحايلت على العالم لتبرير الحرب واخترعت الأزمات للتشويش على مجلس الأمن وخدعت كل الدول لخوض معركة مقررة سلفاً.

ومن يكذب في أسباب الحرب الكبيرة لا يتردد في ترويج الأباطيل في المعارك الصغيرة. ومن ثم الادعاء أمام العالم أنه ينجز انتصارات ويحقق بطولات يعاد إنتاجها في كل فترة لتبرير استمرار الاحتلال.

معركة الفلوجة محسومة عسكرياً وهي تأتي في سياق حملة الأباطيل التي اخترعتها إدارة بوش في ولايتها الأولى وتريد الآن أن ترسل إشارات بأنها مستمرة بها في ولايتها الثانية.

الهدف من معركة الفلوجة يمكن ملاحظته من خلال قراءة الجانب السياسي للمسألة. فالمعركة سياسية في أساسها وإن استخدمت القوة العسكرية. فماذا تريد واشنطن منها ولماذا تثير هذه الزوبعة من الأكاذيب لتبريرها؟

هناك أجوبة سياسية كثيرة يمكن استخلاصها من هذه المعركة الصغيرة التي ضخمتها واشنطن وتريد منها إرسال إشارات إلى جهات مختلفة. فهناك الجانب الداخلي المتعلق بالولايات المتحدة وتطمين الشارع بأن الاحتلال موجود ويحقق المزيد من التقدم وبأنه لا خوف على المشروع من التفكك أو الانهيار. وهناك الجانب العراقي من المسألة، فالاحتلال يريد توجيه رسالة إلى كل المدن والمناطق بأن مرحلة تجميع القوات في قواعد ومهابط انتهت موجباتها الانتخابية وبات بإمكان الاحتلال إعادة نشر قواته واجتياح كل المحافظات الممانعة والمخالفة لإرادة واشنطن ومشروعها الخاص. وهناك الجانب الإقليمي من الموضوع، ويتضمن إعطاء إشارات سريعة بأن الاحتلال لايزال يتمتع بالقوة وان الزخم عاد إليه بعد التفويض الذي ناله بوش من الناخب الأميركي. وهناك الجانب الدولي ويتضمن إشارات مضادة للدول الكبرى وفي طليعتها أن العراق ليس موضوعاً للتفاوض أو التقاسم فهو منطقة حرام يحظر على أية قوة دولية (القبعات الزرق) أو أية قوة إقليمية دخولها. فالعراق استبيح بقوة أميركية وبالتالي فهو غنيمة صافية لواشنطن ولا يحق لأي طرف إقليمي أو دولي الدخول في المعادلة والمشاركة في الحصص.

كل هذه الرسائل تريد واشنطن بعثها من خلال خوضها معركة الفلوجة وسط حملة أكاذيب ليست بعيدة عن أجواء خديعة «أسلحة الدمار الشامل». فإعلان حال الطوارئ في البلاد كلها باستثناء الشمال، وفرض منع التجوال في الكثير من المناطق والمدن وغيرها من إجراءات أمنية من الآن وحتى الانتهاء من فترة الانتخابات يعني الكثير وأوله التأثير المباشر على مجرى التصويت وتوجيه الناخبين أو المقاطعين نحو أهداف تنسجم مع المشروع الأميركي.

مدة حال الطوارئ الطويلة تعني أن الانتخابات - إذا حصلت - ستعقد تحت مظلة أمنية أميركية تعطيها الحق في التدخل ومنع العراقيين من اختيار ممثليهم الحقيقيين وفرض مجموعات سياسية تنسجم مع خطة الاحتلال وأهدافه.

حال الطوارئ التي أعلنت بذريعة التغطية على معركة الفلوجة تعني الكثير من الأهداف السياسية، فهي أساساً موجهة ضد كل العراق وهي أيضاً وسيلة للتدخل في توجيه الانتخابات والتحكم في نتائجها ومنع الناخب من تحديد الاختيار الصحيح وقطع الطريق على الغالبية الشعبية من الوصول إلى الحكم بواسطة التصويت والصناديق. فالرسالة تشمل أكثر من ورقة داخلية وهي تنطلق من الهاجس الأمني والمبالغة في تضخيم أهوال معركة الفلوجة لحشر كل الأطراف في الزاوية الأميركية وفرض الخيار الوحيد على الشعب العراقي وهو القبول بالاحتلال والنتائج السياسية المترتبة عليه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 796 - الثلثاء 09 نوفمبر 2004م الموافق 26 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً