«أفيدونا أفادكم الله، هل سنتسلم الـ 500 دينار عيدية كما سمعنا أم انها شائعات مغرضة تستهزئ بعقولنا وتضحك على حالنا؟! والبونس أيضا ما قصته وهل أقر فعلا أم إنه يحتاج إلى دراسات مكثفة وعميقة قد تحتاج إلى سنوات بحث ربما تطول حتى يخرج في النهاية - بحسب ما يزعمون - في حلة يرضى عنها الجميع؟!... وإذا كان لنا من هذه النقود نصيب فماذا ينتظرون؟! أسموها عيدية، والباقي على العيد أيام معدودة والتجار ما شاء الله تفننوا في عرض بضاعتهم الجديدة والمكدسة لديهم منذ سنوات وأبدعوا أكثر في تسعيرها مستغلين المناسبة الخيرة أيما استغلال لأننا طبعا لا حول لنا ولا قوة وأعجبنا أم لا سنشتري، سنشتري على الأقل لنتخلص من (طحنة) أطفالنا الصغار وقبلهم أمهاتهم... والرواتب الأساسية صفت على الآخر ولا نعلم إن كانت المؤسسات ستتكرم علينا بتقديم موعد تسلم الرواتب أم لا... بصراحة لعبوا بأعصابنا ولا نعرف ماذا نصنع، والصحافة ساهمت بشكل غير مباشر ومن خلال بثها لأخبار هذه العيادي ومراوحتها بين النعم واللا في زيادة تلف أعصابنا حتى بتنا لا نرغب بتاتا في قراءتها وإن كان قلبنا يتلهف لمعرفة آخر الأخبار!...».
كان ذلك ملخص مكالمة هاتفية تلقيتها من أحد المواطنين الذي يبدو من فحوى كلامه أنه من المطحونين بطاحونة الفقر والشقاء... وأمثال هذه المكالمة كثر في الآونة الأخيرة ويبدو لي أنها في طريقها إلى الزيادة وخصوصا مع اقتراب العيد الذي صور بأنه فرحة لناس وطامة كبرى تقع على رؤوس أناس آخرين أولهم الآباء والأمهات... فالكل فاغرا جيبه هذه الأيام ليخرج منه البقية الباقية من راتب أكلت «ماجلة رمضان» ثلاثة أرباعه والربع الباقي إن لم يذهب إلى فاتورة الكهرباء والماء والموبايل وهاتف المنزل فإنه يا دوب يكفي لشراء بذلة واحدة لا أكثر!
لو تجردنا قليلا من شخصياتنا ومراكزنا ومستوانا المعيشي... وحاولنا تقمص شخصية الغالبية العظمى من مواطني البلد، طبعا ذوي الدخل المتوسط فما هو أدنى، وسرحنا بتفكيرنا في الدراهم القليلة التي نمتلكها والعيد على الأبواب، ونظرنا إلى أعين أبنائنا وهي تكاد أن تطفر من مكانها على هذه وتلك من بذلات العيد واكسسواراتها... ومن جانب آخر نقرأ خبرا في الصحف مفاده صرف 500 دينار عيدية للمواطن... فماذا ستكون ردة فعلنا... طبعا سنستبشر خيرا وسنطير من الفرح... بعدها نسمع بعدم القبول بهذا المقترح... طبعا سنموت قهرا وغيظا وستتبخر كل أحلامنا... بعدها نسمع بالبونس فنقول الحمد لله وإن كان ما سينوبنا منه قليلا... ثم تتكشف شروط هذا البونس والمستحقون له فنرجع إلى الحزن وندب الحظ الذي لم يرفعنا إلى علية القوم... ثم نسمع بالانتصار العظيم للعيدية فنعاود الفرح وننتظر تسلمها لنحقق أحلامنا ونسعد أسرنا ونفرح حقا بالعيد ويصبح عيدين، وبعد ذلك بأيام نعاود قراءة الصحف لنعلم بأن أحلام الفقراء غالبا ما ترجأ إلى بعد حين والفرحة لا يمكن تعرف طريقها إليهم هكذا وبكل سهولة ويسر!! عند ذلك ألا يحق لنا أن نصرخ: كفاكم لعباً بأعصابنا؟!
وأمام هذه المزايدات علينا وعلى آمالنا وعلى فرحنا... أرى أننا لسنا أمام خيارات عدة فهما خياران لا ثالث لهما إما أن نمني النفس بتحقيق الحلم وبإمساك الـ 500 دينار في القريب العاجل فنصدم بعد مدة بتبدد الحلم وضياعه وراء مناورات ومشاورات لم ولن يتفق على مبادئها أبدا! أو أننا نفقد الأمل في تحقيق ذلك، ومنذ البداية نبعد عن أذهاننا إمكان سعادتنا بهذه الدنانير ونعد الحكاية أسطورة خرافية من أساطير زمان نضحك عليها ونحن نرثي حالنا فنفاجأ بطارق يطرق بابنا ويسلمنا شيكا بالمبلغ المزعوم!! أظن أننا في كلتا الحالتين - مفاجأتنا المحبطة أو السارة - ميتون ميتون وبالسكتة القلبية! ولكن هل للفقير منا وجل أمله على كم دينار إلا الصبر وانتظار الفرج أو الابتهال إلى الله بخلاصنا من لعبة الأعصاب هذه؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ