العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ

هل سيكون بوش الثاني أفضل من الأول؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

إعادة انتخاب الرئيس الاميركي جورج بوش أثبت للعالم أن الولايات المتحدة الأميركية اليوم بلد محافظ، وبصورة لم يكن يتصورها حتى الأميركيون أنفسهم. التفكير المحافظ ساعد بوش في الفوز بولاية ثانية، هذه المرة حصل على غالبية أصوات الناخبين وليس كما حصل قبل أربع سنوات حين ساعده قضاة المحكمة العليا بالفوز بمنصب الرئيس، ما جعل معارضيه يعيرونه دائماً بأنه فاز بمنصب الرئيس من دون حق.

نعي عرفات

وتغلب بوش على إحدى عقده، فقد سجل حزبه الجمهوري انتصارا كبيرا على منافسه الديمقراطي وعلى معارضي بوش في أنحاء العالم الذين يتعين عليهم العيش أربع سنوات جديدة مع بوش. ومما لاشك فيه أن السنوات الأربع المقبلة ستكون مثيرة للاهتمام وخصوصاً سياسته تجاه الشرق الأوسط. فبعد أن كان بوش أول من نعى عرفات حين قال في أول مؤتمر صحافي عقب إعلان إعادة انتخابه في منصبه: «ليرحم الله عرفات». لم يكن بوش بحاجة إلى التعليق بهذه الصورة قليلة التهذيب، إذ ليس سراً أن إدارته عملت منذ البداية بنصيحة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في قطع العلاقة التي قامت بين الزعيم الفلسطيني وواشنطن في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون. كما أن بوش لم يسع للضغط على «إسرائيل» كي تنفذ بنود خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

بعد إعلان النتائج أصبح بوش يشعر بقوة أكبر من السابق، وبوسعه الاعتماد على تأييد الغالبية المحافظة وعلى مجلس الشيوخ الذي يملك الحزب الجمهوري الغالبية فيه. هكذا أراد الشعب الأميركي أن يحبط آمال المعسكر المناهض لبوش داخل وخارج الولايات المتحدة. ولم يسبق قط أن ظهر عداء لرئيس أميركي في التاريخ مثل العداء الذي جلبه بوش على نفسه وعلى بلده. ولاشك في أن فوزه الكبير سبب صدمة قوية لمعارضيه في الداخل والخارج.

كان العالم يأمل بالتغيير، لكن هذه لم تكن غالبية الأميركيين. ربما توقع البعض فوز بوش لكن ليس بهذه الصورة التي ستشغل المراقبين بعض الوقت للتعرف على العقلية الأميركية السائدة. ولو سعينا لتحليل سبب التأييد الواسع ليس بالوسع تجاهل الحرب المناهضة للإرهاب التي أعلنها بوش بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما آلت إليه في أفغانستان، ثم الخطأ الأميركي الفادح في العراق الذي ليس من السهل أبداً إصلاحه. ولا يشك اثنان بأن حرب العراق والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي سيظلان أهم اختبار للسياسة الأميركية، وسيحكم العالم على سياسة بوش من خلال تعامله مع هذين النزاعين. إعادة انتخاب بوش دليل على أن غالبية الأميركيين مازالوا يعتبرون أن بلدهم في حال حرب. فبينما انتهى صدام حسين في السجن على رغم أنه لم يعتد على الولايات المتحدة ولم يهدد أمنها ولم يقم علاقة مع تنظيم «القاعدة» حسبما روج من اتهامات ثبت بطلانها، فإن أسامة بن لادن الذي حملته واشنطن مسئولية هجمات سبتمبر مازال طليقاً على رغم أن القوة العظمى حصلت على فرصة ثلاث سنوات للبحث عنه والقبض عليه. وهناك من يقر أن بن لادن قدم مساعدة انتخابية لبوش حين بعث بشريط فيديو جديد إلى محطة تلفزيون «الجزيرة» قبل أيام على موعد توجه الناخبين لصناديق الاقتراع وتوعّد الولايات المتحدة بعمليات عنف جديدة. ما يمكن استنتاجه في انتخابات الرئاسة الأخيرة أنه على رغم المشاركة الكبيرة للناخبين فإن الغالبية ساندت بوش، وهكذا فإن غالبيتهم يؤيدون سياسته ولا يتفقون بالرأي مع معارضيه في الخارج، حيث يعتبر هؤلاء بوش خطرا على بلده وعلى السلام العالمي. لا يبدو أن العالم يفهم أميركا ولا يبدو أن أميركا تفهم العالم. أميركا غارقة في بحر من المشكلات بسبب سياستها الخارجية العوجاء، وحالها حال سفينة تواجه رياحاً عاتية في عباب البحر: حرب غير مشروعة في العراق ووضع غير مستقر في أفغانستان ثم تحيزها الأعمى لـ «إسرائيل»، وهذا أسوأ الأمور من وجهة نظر العرب والعالم الإسلامي. إضافة إلى مشكلات أميركا في الداخل مثل المديونية العالية للدولة واستفحال أزمة البطالة. لقد انتخبت الغالبية بوش لأنها تؤمن بمبدأ القوة، وأن أميركا تقود العالم وتسعى لبناء نظام عالمي جديد. كما ان هناك حاجة ماسة لشعور الأميركيين بالأمن، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تكون أميركا قوية بعد أن تشبع الأميركيون بدعاية الصقور: تهديدات الإرهابيين وأميركا في حرب، والتحذرات باللون البرتقالي والأحمر! ومنذ هجمات سبتمبر لم يحصل الأميركيون على فرصة للتفكير بهدوء بشأن بلدهم وأثر سياساته في الخارج. والسؤال: هل سيغير بوش سياساته في الولاية الثانية كما يأمل العرب والأوروبيون؟

طبعاً خرج بوش من معركته الانتخابية قوياً، فيما سينصرف الحزب المعارض إلى ترتيب أموره بعد صدمة الهزيمة، وعلى بوش إعادة قراءة التاريخ وخصوصاً السنوات الثلاث الماضية. وفي هذا الحال سيتبين له لماذا ازداد عداء العرب والمسلمين لبلاده، ولماذا أصبح الأوروبيون يشعرون أن الولايات المتحدة بلد غريب عنهم ولم تعد بالنسبة إلى كثيرين منهم رمزاً للحريات. سيكون من الصعب على العرب وعلى الأوروبيين مسامحة بوش إذا لم يغير سياسته. لقد منحت ولاية ثانية لبوش، سيد البيت الأبيض، فرصة تاريخية لتصحيح أخطائه

العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً