العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ

العراق في حال طوارئ

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان حال الطوارئ في العراق في الأسبوع الأخير من رمضان ولمدة 60 يوماً يظهر ضعف الحكومة المعيّنة في ضبط الوضع الأمني ولكنه يكشف أيضاً عن العقل البوليسي الذي يسيطر على توجهات القيادة. فالحكومة المستفيدة من الاحتلال الأميركي لم تجد أمامها سوى اللجوء إلى الأساليب التي كان يلجأ إليها النظام السابق في تعاطيه مع الأزمات المحلية.

اللجوء إلى العنف والإفراط في استخدام الأدوات الأمنية وإرهاب المعارضة وتخويف الناس كلها تشير إلى وجود توجهات صدّامية في التعامل مع الوضع الداخلي. حتى الذرائع التي كان يلجأ إليها صدام لتبرير سلوكه السياسي لا تختلف كثيراً عن الذرائع التي تقدمها الحكومة المعيّنة لتبرير سلوكها السياسي.

اتباع النهج الأمني للسيطرة على الوضع السياسي قد ينتج إلى فترة حالات من الهلع وتخويف الناس إلا أنه في النهاية لا ينتج دولة مستقرة على توازنات دقيقة تمثل وحدة الناس ومصالحهم العليا. فالخوف ليس سلطة وإرهاب الناس لا يعني بالضرورة النجاح في تأسيس دولة عادلة تطمئن إليها مختلف قطاعات الشعب من دون تمييز أو تفرقة. فالنهج الأمني في السياسة يعني في النهاية بناء سلطة مذعورة تخاف من الناس وتضطر دائماً إلى استخدام القوة لمواجهة الاعتراضات المدنية التي تحصل بشكل دوري.

إعلان حال الطوارئ في العراق من الأخبار السيئة التي تذكر شعوب العالم العربي بأوضاعها وتعطي إشارات تقارب الكثير من حالات الدول العربية. هذا من ناحية المبدأ العام. أما من ناحية الدوافع التي أملت اتخاذ مثل هذا القرار فهناك خصوصيات ليست بعيدة عن الذرائع التي تقدمها أنظمة مشابهة لتبرير سيطرتها البوليسية.

الحكومة العراقية المعيّنة بررت خطوتها بأنها تهدف إلى ضبط الوضع في المدن وتحديداً في «مثلث المقاومة» ومن ثم تأمين الاستقرار السياسي لإجراء الانتخابات التشريعية في العام المقبل. والخطوة تمت بالاتفاق والتنسيق ويرجح أنها جاءت بتوجيهات من الاحتلال الأميركي. وإذا صح الأمر وهو المرجح يكون السؤال ماذا يريد الاحتلال من إعلان حال الطوارئ في العراق؟

هناك أكثر من احتمال وكلها تشير إلى وجود نوع من التصعيد العسكري تتجه واشنطن إلى اتخاذه بعد أن نجحت الإدارة في تجديد ولاية رئيسها لمدة أربع سنوات. والتصعيد ليس ضد الفلوجة فقط فهذه مجرد خدعة لجأت إدارة الاحتلال إلى تضخيهما للإيهام بأن هذه المدينة الصغيرة نسبياً شكلت نقطة تعطيل للمشروع الأميركي في العراق وربما في «الشرق الأوسط الكبير».

المسألة ليست الفلوجة. فهذه المدينة في مختلف المعايير السياسية ساقطة عسكرياً وتستطيع القوات الأميركية التي احتلت العراق في أقل من شهر أن تسقط مدينة معزولة من كل الجهات وفي وسط الصحراء في أقل من أسبوع.

واشنطن اختارت الفلوجة لتكون المدينة الضحية، ومنها سيعلن عن بطولة مصطنعة يريد جورج بوش تسويقها في الشارع الأميركي المزدحم بقطاعات هوجاء من التعصب العنصري - الديني والكراهية للأجنبي والخوف من الآخر. الفلوجة هي الضحية وحتى يكون وقع سقوطها له معناه السياسي في الداخل الأميركي لجأت واشنطن طوال الشهور الماضية إلى تضخيم موقعها ومكانتها وتعظيم دورها بوصفها تمثل الملجأ الحيوي لكل المقاومين «الأجانب» و«العرب» وغيرها من بالونات حرارية. وتصوير الفلوجة في الإعلام الأميركي بأنها مدينة للإرهاب ومعقل الزرقاوي والمقاومة العربية - على رغم نفي وجهاء المدينة وتحديهم لإثبات تلك الأباطيل - يكشف عن وجود أهداف إعلامية تتجاوز حدود تلك المدينة المعزولة في صحراء تحيط بها الرمال من كل الجهات.

المسألة إذاً تتجاوز الفلوجة. وتضخيم القدرات العسكرية لتلك المدينة يتجاوز حدود المثلث. فأميركا تريد من وراء تلك المعركة - الفاصلة اصطناع بطولات وهمية لإرهاب العراق في كل مدنه ومناطقه وبالتالي تعزيز القبضة الأمنية للحكومة المعينة تمهيداً لبسط سيطرتها السياسية من خلال انتخابات موجهة ومبرمجة ستعقد في العام المقبل. إعلان حال الطوارئ خطوة جديدة في سياق التصعيد العسكري إلا أنه يكشف عن وجود خلل في العقل السياسي أساسه يبدأ من النزوع إلى القوة في حل مشكلات بنيوية تتعدى قدرات الحكومة العراقية والصلاحيات المعطاة لها من الاحتلال. فالاحتلال هو المستفيد والحكومة هي مجرد واسطة لتشريعه انتخابياً في العام المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً