في حديث ذكريات جمعني وصديق حميم زميل دراسة في الاعدادية ما فتئ يواصل الاتصال بي والسؤال عني بين الفينة والاخرى، صرنا نستذكر تلك الحوادث المؤلمة حقيقة والتي كانت محصورة في أيام الدراسة على أيامنا، فلم تخلُ قصة من الاستذكار وإلا وكان (الكف) والضرب والعقاب (المبالغ فيه) هو القاسم المشترك، بل العنصر الرئيسي البطل في القصة.
فلن أذكر لكم الآن اسم مشرفنا في مدرسة ابن سينا الابتدائية في منطقة رأس الرمان في الثمانينات، والذي استطيع أن أشبهه لكم بأنه أحد الجنود الذين يمارسون التعذيب النفسي والبدني في سجن أبوغريب وغوانتنامو! لأنه وببساطة وعلى المستوى الشخصى (علما بأني كنت طالباً مؤدباً وهادئاً) لا أذكر منه إلا التهديد والوعيد تارة بالتنقيع في تلك البركة الآسنة في زراعة المدرسة في عز الشتاء... وتارة في العقاب الجماعي في الطابور الصباحي لأكون عبرة لمن لا يعتبر... ولا ننسى أسلوب الحبس الانفرادي في غرفة الناطور حتى لبعد الدوام المدرسي وكأنك في معتقل الخيام بجنوب لبنان! والذي امتد ارهابه بنا حتى بعد العصر في الفريج كونه يسكن في المنطقة نفسها... بل جار لا يبعد أكثر من خمسة إلى ستة أبواب من باب بيتنا! فأية طفولة بائسة تلك التي عشناها لنتحدث عنها!
لو استطاع كل واحد منا استرجاع شيء من طفولة المدارس فسيلاحظ ان ذكريات عنف المدرسين سيكون لها نصيب الاسد على كل القصص وتأخذ حيزاً كبيراً منها، فهل كانت التربية التي يمارسونها علينا تلك الايام والتي صار يترحم عليها جملة من الاساتذة الأفاضل محل حسرة هي التربية الصحيحة، أم هي التربية الحديثة التي يمارسونها الآن والتي صارت تفرخ لنا أجيالاً مائعة شعرها طويل وتلبس العدسات الملونة وتدخن مع المدرس من دون أدنى خجل وتلبس البناطلين (الاكياس) والمشققة المرقعة و... و... و... هي الصحيحة!! أنا مؤمن بأن لكل فترة حسناتها ومساوئها، فمن مساوئ تلك الفترة أنهم وبهذا الاسلوب الارهابي إن صح التعبير فرخوا لنا جيلاً متردداً، لا يعرف أن يصرف نفسه... خائفاً غير واثق من نفسه، ويكفيك أن تسولف حتى مع الاوائل من الطلبة الناجحين في الثانوية العامة لترى مستواهم في الحديث وكيف هم (أبطال) من ورق في الحوار معك، وقس على ذلك باقي الطلبة الكسالى.
في تقديري الشخصي... ومع توسع ثقافة الطفل الحقوقية في المدرسة والذي صار يعرف حدوده من حدود المدرس، بل وصل إلى الدرجة التي تجعل المدرس يخاف من ذاك الطالب كونه راعي سوابق في (بهدلة) المدرسين، ستكون هناك علاقة رسمية هي الاخرى لا تخرج عن قول المدرس «أنا اللي عليّ سويته» وذلك بممارسة التعليم فقط من دون التربية كون التربية في نظره تحتاج إلى أساليب هي ممنوعة عليه «وتوديه في ستين ألف داهية» هو في غنى عنها، وليطبق مقولة «ابعد عن الشر يا ولد... وغني له!»
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ