يسجل إلى الكتل النيابية في برلمان السبعينات المنحل وهم: «كتلة الشعب» وكتلة «المستقلين» و«الكتلة الدينية» ما نفخر به إلى يومنا هذا، حين وقفت موحدة وبشجاعة نادرة ضد قانون أمن ومحكمة أمن الدولة، وأقسمت على عدم تمريره باسم الشعب، على اعتبار أن المجلس الوطني المنتخب لا يمكن أن يكون أداة لمنع الناس من حقهم في التعبير، وأن يشرّع لقانون قمعي تسلطي على رقابهم، وضحوا عن أول تجربة ديمقراطية عرفتها البحرين، بدخول المعتقلات والزنازين التي غصت بهم وبمناضلين آخرين، على أن لا يبصموا على مثل هذا القانون، الذي ألغي حديثاً في عهد الإصلاحات التي دشنها جلالة الملك.
زمان، كان «الناس غير الناس»، فعندما أبيحت لهم فرصة الاختيار لممثليهم في المجلس الوطني، كانوا يختارون بوعي، أشجعهم، والأكثر مدافعاً عن مصالحهم، والأكثر ثقافة ولباقة وبعد نظر، فحين يعارض النائب مشروعاً بقانون يقول «لا» مسموعة، ويشرح أدق التفاصيل للناس عن سبب معارضته، وعندما يقترح مشروعاً بقانون يعلن «النعم» واضحة ويذكر سبب تأييده من دون خجل لأنه يدافع عن مصالح الناس ومستقبل الوطن؛ أما الآن، ولا اعتراض على اختيار الناس، فالأمر يختلف، والحسبة غير الحسبة القديمة، لأن الناس غير الناس، ونواب الشعب، أو جلهم، لم يتعودوا على «التضحية» براتب شهر «برلماني» لاتخاذ موقف مشرف لشعبهم، فخبرناهم في عدد من القضايا التي وقفوا فيها عكس التيار العام، والقادم الأسوأ ليس بذلك التفاؤل مما سيخرج من تحت قبة البرلمان، والذي نتمنى أن تكون توقعاتنا على خطأ ليفرمل نواب الشعب «الردة» عن مكتسبات الحريات العامة التي بحوزتنا «المؤقتة» ويحافظ عليها، ولن نطلب منه عندها «تطويرها» كما نطمح.
مناسبة هذه المقدمة، ليس تحريض «الكتل النيابية» على عدم تشريع «مشروع قانون التجمعات والمسيرات-المستعجل جداً»، ومشروع «قانون الجمعيات السياسية-المستعجل أيضاً»، والتصديق على حزمة مراسيم بقوانين قامعة للحريات فحسب صدرت عشية الانتخابات البرلمانية؛ بل التحريض على «التفكير البعيد» حتى يكون النواب هم الأجرأ في إعادة فحص «الحقائق» من أجل كل كلمة حرة في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ومن العيب أن تستثمر «المؤسسة التشريعية» لتكون حصان طروادة لتكميم الأفواه باسم الناس الذين انتخبوها في زمن «لعنة المتوازنات»، وتكون الكتل أداة منع وردة عن المكتسبات.
من ينظر إلى المشهد السياسي، لابد أن يقر بأن الإصلاحات والحريات، «حرية الرأي وحرية التنظيم» قد تراجعت بنسبة ملحوظة، وسيكون تشريع قوانين تجيز للحكومة تقييد هذه الحريات المكتسبة، إضافة جديدة للتراجعات، وبمثابة ضربة أساسية قوية لمبادئ الديمقراطية والوعود التي أتحفنا بها «النواب» في حملاتهم الانتخابية يوم كانوا «مرشحين»، الأمر الذي سيخرج «المتربصين» للخطوات الإصلاحية من تحت الأرض ليعلنوا بسخرية: «ها... هل رأيتم الآن الأنياب المطلية بطلاء ديمقراطي؟!».
ما حدث منذ قانون أمن الدولة سيئ الصيت، كان ماضياً مؤلماً وذكريات ذهبت إلى غير رجعة، وغير مأسوف عليه؛ ولكن هناك من يحاول أن يدفع بالأمور التي تحن لذلك الماضي البغيض، غير أن هؤلاء سيكونون خاسرين، ليس من باب التمني، وإنما لأن العالم بأسره يدفع باتجاه الانفتاح على الحريات، لا تقييدها... فنحن في عصر العولمة، ولا عودة إلى القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، أو المحكمة «الكنغرية»
العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ