من المخجل أن يصبح الحديث عن الفساد الأخلاقي في إعلامنا العربي أمراً مألوفاً وغير شاذٍ لدى المسئولين والقائمين على المؤسسات الإعلامية الحكومية منها والخاصة! وغريبٌ «صمُّ الآذان» عن سماع صرخات الاستغاثة لحفظ ما تبقى من ماء وجه العروبة! وسيئ ذلك «التعامي» عن كل ما يكتب ويثار حول إسقاط القيم والمبادئ وسحق «الهوية الإسلامية» تحت أرجل غالبية «رجال الإعلام»!
ماذا بقي بعد لم ينتهك من كرامة العروبة؟ وماذا بقي بعد لم يُخدش من حياء الإنسانية؟ وماذا بقي بعد لم يُداس من حُرمة الدين؟ ليس ثمة شيء سوى بعض نبضات الضمير لمن تبقت لهم ضمائر حية تستشعر فداحة الأمر وخطورته على الأمة. وإلا فلم تعد العقول تستوعب الحديث عن هذه المشاهد التي تتكرر يومياً لنرى فيها كيف تذبح الكرامة الأخلاقية على مقاصل الفضائيات كما تذبح الشاة!
بين الرجعية الحضارية والرجعية الدينية...
كاذب من يدعي أن كل ما في الإسلام من مبادئ أخلاقية يصطدم بالحضارة الكونية. وجاهل من يزعم أن التمسك بقيم الإسلام والشريعة لا يتناسب والطفرة الحضارية. ففي كل يوم تتكشف لنا دلائل كثيرة بظهور نماذج حية للإعلام النزيه الذي يلاقي قبولاً وإقبالاً جماهيرياً منقطع النظير لأنه يقدم صورة ناصعة وصادقة للخط الإسلامي الذي نتذرع بالإنتماء إليه، وهو في أجلى صور الحضارية والتمدن.
الرجعية الحضارية أن نتجرد عن المبدأ أمام الزحف الفاسد للمبادئ الأخرى... الرجعية الحضارية أن تتنكر لحضارتك في مواجهة الحضارات الأخرى. ولو لم يكن كذلك لما رأينا الحضارات الغربية على رغم ما تروجه لنا من تمييع فكري وأخلاقي فإنها تتمسك بالثوابت الأساسية والمبادئ الراسخة في عقيدتها. نحن المساكين الذين ضيعنا حضارتنا وبعنا كرامتنا في سوق النخاسة من أجل أن يقال لنا إننا متمدنون وحضاريون. ألم يقدم الإسلام حتى في عصرنا هذا آلاف النماذج الفكرية والعقول الحضارية التي أبهرت الحضارات الأخرى؟ فهل النقص في مبادئ الإسلام؟
خدمة مجانية لأهداف الغرب...
ما يُعرض من مشاهد فاضحة يومياً على شاشات فضية تدّعي الإسلام ديناً يقدم في مضمونه اللاأخلاقي خدمة مجانية لأهداف الغرب وأعداء الدين سواء كان المسئولون يقصدون ذلك أم لا. إنها خدمة تفتيت الحياء واجتثاث كوامن الغيرة من نفوس المسلمين على أعراضهم والتي لا تتأتى إلا بتقديم تلك الأفلام والبرامج والمسلسلات الممزوجة بالمذاق شبه الإباحي.
ربما يبدو لدى البعض للوهلة الأولى أن هذا لا يعدو كونه خطبة عصماء أو تنظيراً مبالغاً فيه ويحمل في طياته تعقيداً دينياً مضخماً لا يستدعيه الحال. ولكن إذا شئنا أن نقف على الحقيقة فلنخلص النية لله ونصدق مع أنفسنا، ونحمل جهاز «الريموت» بعد أن نجلس أمام التلفزيون، ما دمنا نعيش أيام الله في شهر رمضان المبارك، ثم نبدأ جولة سريعة على الفضائيات العربية (خصوصاً في الساعات المتأخرة من الليل) ونشاهد ما يبث من برامج ونقارنه مع حرمة الشهر وقدسيته.
ماذا يريد منا القرآن وماذا تريد منا الفضائيات؟ قِس هذا السؤال على كل مسلسل أو برنامج أو فيلم يفتقر إلى عناصر الحشمة التي يريدها لنا الله (عز وجل)، ثم احكم بنفسك.
نحتاج إعلاماً (بديلاً) لا (مسايراً)...
الحجة الوهمية التي غالباً ما يتذرع بها القائمون على مؤسسات الإعلام هي أن ما نبُثه لا يساوي شيئاً أمام البث الغربي، لذلك نعرض هذا النوع من البرامج حتى نراعي مذاق المشاهد العام الذي يميل بطبيعته إلى هذه المشاهد. وهذا في حد ذاته عذر أقبح من ذنب. من يُحرِّك الأمة؟ ومن المسئول عن إيصال رسالة الدين إلى الأمة؟ أليس الإعلام هو المسئول الأول؟ وإلا فلا نكن شركاء في نشر المنكر!
أخيراً، نحتاج في هذا العصر الذي تحتوشنا فيه ذئاب الكفر إلى إيجاد إعلام «بديل» لا «مسايراً» لما يطرحه الآخرون. وإلا فلا فائدة، فالقنوات الغربية أصبحت تقدم برامجها حتى باللغة العربية. هناك قنوات جيدة بدأت تتنفس أريج الإسلام الحقيقي وتراعي حرمة الدين خشية أن تجرح العقيدة والمشاعر المؤمنة. الكثير من القنوات منها ما دُشنت مع إطلالة الشهر المبارك. أملاً يحدو الناس في أن تنقلب قنواتنا الرسمية من أداة تحارب قيم الإنسان وأخلاقه إلى وسيلة إلى نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة. الازدواجية والنفاق الإعلامي لا تعطي شيئاً على طريق الاسلام، مسلسل إسلامي وآخر فاضح لا يعطي صورة واضحة وجلية بل يشوش الفكر ويخلط الأمور. فهلاّ فكرنا في الأمر وتحركنا لإصلاح الإعلام؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ