مشروع قانون التجمعات العامة مشروع لن يخدم الناس وأيضاً لن يخدم السلطة، لأنه مشروع صيغ بعقلية مفتونة بقانون أمن الدولة... بعبارة أخرى قد يزيد الساحة تعقيداً. أنا مؤمن بأن الحرية بلا ضوابط هي بمثابة سيل عارم قد يجرفنا جميعاً، ولكن الحل ليس في تقنين هذه القوانين وإنما في ضبط الحرية بحرية أكثر منها، عبر قوانين عصرية لا تلغي الحريات. أتعجب كثيراً من بعض نوابنا، كيف راحوا يرقصون للقانون بهكذا اندفاع، وكيف حوّلوا المجتمع إلى «ذئاب» و«حيات»، وهذه التعبيرات جاءت على لسان مثقفين في الصحافة... لا بأس هناك أخطاء ولكن يجب على المرء أن يحترم عقل الجمهور، وألا يستدرج إلى معركة ضد مجتمعه ليكون لاعب كاراتيه، فتاريخ الأداء الحكومي طيلة هذه السنين له إخفاقاته وأخطاؤه أيضاً وخصوصاً في شقي الفساد المالي والإداري والتجاوزات والتمييز والبيروقراطية.
تصحيح ذلك لا يكون بالعنتريات ولا يكون أيضاً بالرقص الغجري، فلا توجد دولة في العالم بلا فساد ولكن هذا أيضاً يجب ألا يتخذ ذريعة لتبرير وشرعنة الفساد. وعلى السلطة أن تسعى إلى رجم بيروقراطية المؤسسات. بالنسبة إليّ، يومياً تصلني الكثير من آلام الوزارات المتنوعة، وهذه الأوراق متداخلة لا تعلم من أين تبدأها، والماء زاد على الطحين. ما أريد قوله: يجب ألا تقنن قوانين يكون ضررها على الجميع، وهناك أكثر من حل لضبط الإيقاع السياسي ويكون محل احترام الجميع من دون أن يحمل روح الكراهية لمبادئ الحرية والديمقراطية. وكما قال مصطفى أمين في كتابه «تحيا الديمقراطية»: «إن مساوئ الحرية خير ألف مرة من كل مزايا الاستبداد». وقانون التجمعات العامة لن يحتضن الحرية أبداً إنما سيخنقها بقفازه الحريري، ثم سيمشي في جنازتها وخصوصاً بعد تحول أجهزة الدموع إلى أجهزة سياسية تباع في كل مكان، وقطع صيانتها تباع في السوق السوداء.
للأسف، بعض مثقفينا أصبحوا يمارسون «التحشيش» الثقافي في الناس، وهي لعبة خطيرة. والمنحدرات السياسية ظاهرة آخذة في الزيادة، فلا غرابة إذا ازداد عدد الموتى من هذه الظاهرة! ولعل قطاع الصحافة من أكبر القطاعات ابتلاءً بهذا المرض مع بعض القطاعات هنا أو هناك... ولا أريد الدخول في التفاصيل.
أقول لمثقفينا: ليس كل الناس سيئين والمحبة الساكنة في قلوب الناس أكثر بكثير، فهناك من يقدر الوعي ويحترم العقل والحرية والثقافة، لكن المسألة مسألة وقت. هنا لابد أن أهمس في أذن الحكومة كلمة فأقول: الجوع كافر والفاقة أم الجرائم والبطالة طريق إلى الغواية والإحباط... ضخوا أموالاً أكثر، ارفعوا من رواتب المواطنين، فلا يوجد بحريني بلا ديون، ومرّوا على القرى والمدن وستفاجأون بعشرات ومئات البيوت المتصدعة... نحن نقدر خطوة جلالة الملك في تخصيص مبلغ ضخم لبناء وتعمير البيوت الآيلة إلى السقوط، ونتمنى من الحكومة أن تقوم بمبادرات أكثر لاستيعاب هذه المشكلة.
السياسة «بهدلت» العالم وليست من الإنصاف أن يبقى مجتمع بكامله معاقباً، ومطلوب منه أن يقف 22 سنة أخرى على قدم واحدة. أُشبعنا «بهدلة» و«مرمطة» وهذه السمعة الجميلة للحرية التي تحملها البحرين في المحافل الدولية تكونت بفضل هذا النضال الحضاري للمواطن البحريني. دعونا نفتح أبواب الحوار، وهذا المجتمع يجب ألا تنتكس حريته، ويجب أن يبقى واقفاً على قدميه ولن يقف إلا بتعزيز التوافق الوطني القائم على الشراكة الوطنية بين المجتمع والسلطة.
أقول لصحافيينا: لا تلعبوا بأعواد الكبريت السياسي، فالحرية هي نصرة لكم ولنا وللوطن، وأي قانون جديد معاد للحرية سيكون ضرره على الجميع. قانون التجمعات العامة ليس قانون أمن الدولة، ولكن أعتقد أنه يحمل الحمض النووي ذاته. الحرية يجب أن تبقى واقفة على قدميها من دون أن تخدش حياءنا السياسي أو تقلب أوراقنا. لهذا، أدعو إخواني إلى الدخول في المؤسسات والضغط من خلالها على رغم تلكؤها، لأن الملفات متراكمة وآخذة في الكبر وليست لنا وسيلة للضغط لحلها إلا عبر الصحافة أو النقابات وما إلى ذلك.
دعونا نراجع الأجندة... دعونا ننقد تجربتنا وخطابنا، فليس ذلك عيباً، والنقد الذاتي هو الذي يعرفنا بأخطائنا وإيجابياتنا، نتفادى الأولى ونركز على الثانية بدلاً من أن نعقم جروحنا بملح آخر أو الألم أو الدموع، فلنسعَ إلى تعزيز المؤسسات ونفتح باب الحوار الدائم للجميع ونسمع كل الآراء بروح رياضية بعيداً عن الحساسيات، وليكن قلبنا واسعاً لكل الآراء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ