حذر المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، من اللعبة الغربية العاملة لحساب «إسرائيل» والساعية إلى تقديم إيران على أنها خطر استراتيجي داهم. وأشار إلى أن الضغط الأميركي والأوروبي على إيران لمنعها من تخصيب اليورانيوم يمثل خدمة لحساب «إسرائيل» ولإزاحة كل الهواجس من أمامها. وأكد أن إيران ليست العراق، وأن أميركا بعد غزوها العراق ليست أميركا قبل الغزو. جاء ذلك رداً على سؤال في ندوته الأسبوعية عن حجم الضغوط التي تتعرض لها إيران في المسألة النووية ومدى شرعية إنتاج الأسلحة النووية إسلامياً.
وأجاب فضل الله قائلاً: «ينشط العالم منذ فترة لإقناع إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، وتدخل الولايات المتحدة على خط التهديد والوعيد إلى جانب «إسرائيل»، فيما تقوم دول الاتحاد الأوروبي بتقديم بعض المغريات، وكل ذلك لمنع الجمهورية الإسلامية من الوصول إلى مرحلة متقدمة في المسألة التكنولوجية النووية، ومنعها من حقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهو الحق الذي تتمتع به أكثر من دولة وتقوم باستخدامه من دون أن يثير ذلك غضب الغرب، إذ تقوم البرازيل وجنوب افريقيا بذلك من دون اعتراض من أركان المجتمع الدولي عليهما. ومن الواضح أن الإدارة الأميركية تسعى بكل طاقتها إلى الذهاب بعيداً في محاصرة إيران اقتصادياً وسياسياً لمنعها من دخول نادي الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، بعدما برزت ملامح التقدم الإيراني الصناعي ليس على المستوى العسكري فحسب، بل في الجوانب المدنية المتعددة. ولذلك فإن المسألة تدخل في نطاق إقفال الأبواب العلمية والتكنولوجية أمام العقول الإسلامية الإيرانية التي يراها العالم المستكبر من أبرز المخاطر التي تتهدد كيان العدو».
وقال: «ولذلك، فإننا ننظر إلى العروض التي تقدم إلى إيران للخروج من دائرة حقها الطبيعي في تحريك التكنولوجيا النووية سلمياً من زاويتين: الأولى تسعى إلى إبعاد إيران عن نادي الدول المتقدمة تكنولوجياً، والثانية ترمي إلى تقديم المزيد من المغريات لتنسحب من دورها الإسلامي الاستراتيجي في تبني قضية الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، لأن القضية الفلسطينية في امتداداتها السياسية وفي خطوطها الاستراتيجية المستقبلية تبقى هي المحور الذي يتطلع العالم المستكبر إلى إحداث خلل في الالتزام الإسلامي حياله، وإن تصاعد الحديث عن العناوين السياسية التفصيلية الأخرى. ولأن الهدف الأميركي من الضغط على إيران هو إبعادها عن الموقف الاستراتيجي ضد «إسرائيل» ودعمها المستمر للشعب الفلسطيني. القضية تكمن في السعي إلى إبعاد إيران عن التزاماتها الإسلامية، إضافة إلى وجود خطة دولية تقودها الولايات المتحدة لتبديد المخاوف الإسرائيلية من خلال إسقاط كل مواقع القوة الإسلامية والعربية في المنطقة، حتى وإن كانت هذه القوة في مرحلة الولادة على مستوى بعض المجالات العلمية». وأضاف «إننا نلحظ التزاماً أميركياً وأوروبياً بأمن «إسرائيل» على حساب أمن المنطقة كلها، وحتى في الوقت الذي نجد تبايناً في مواقف دول الاتحاد الأوروبي مع حركة السياسة الأميركية في المنطقة فإن أمن «إسرائيل» الذي قد يتطلب إشعال المنطقة كلها، أو إدخالها في مرحلة من الغيبوبة السياسية والاقتصادية أو الفوضى الأمنية يبقى هو الأولوية التي تحرك المحاور الدولية الغربية وعلى حساب القيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي ترفعها هذه الدول. إن مقولة التفوق النوعي لـ «إسرائيل» على سائر الدول العربية والإسلامية هي أميركية المنشأ، ولكنها أوروبية الحركة والتنفيذ جنباً إلى جنب مع أميركا، وتستند هذه المقولة إلى أن ما قد تمتلكه إيران من تكنولوجيا يمكن أن يساهم في تزويد بعض حركات التحرر التي ينظر إليها الغرب على أنها حركات إرهابية، بينما امتلاك «إسرائيل» الأسلحة النووية يعني امتلاكها أسلحة استراتيجية تدافع بها عن نفسها وسط هذا المحيط العربي والإسلامي. وأما امتلاك أي بلد إسلامي هذه الأسلحة أو أي تكنولوجيا من شأنه أن يتحول إلى طاقة عسكرية أو مدنية مستقبلية، وهو يؤدي تالياً إلى تهديد أمن العالم وأمن البشرية، على رغم الكذبة الكبرى بأسلحة الدمار الشامل العراقية.
وأردف «لقد بدأت منذ فترة اللعبة الغربية العاملة لحساب «إسرائيل» لتقديم إيران على أنها خطر استراتيجي داهم على المنطقة لترويعها وتخويفها والضغط عليها لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وذلك على رغم أن هؤلاء يعرفون الموقف الإسلامي من عدم شرعية امتلاك أسلحة من شأنها أن تشكل خطراً على الإنسان وعلى البيئة إلا في مجال الدفاع عن الوجود وعن الاستمرار، ولكنهم يعملون لقطع الطريق على إيران التي لا تخضع لأي محور عالمي لمنعها من التفكير في برنامج نووي عسكري في المستقبل. إن المسألة تكمن في إزاحة كل الهواجس من أمام «إسرائيل»، وفي إبقاء المنطقة خالية من أي تهديد مفترض للكيان الصهيوني ليقال لشارون ان إزاحة الخطر العسكري العراقي كان بمثابة المقدمة وان التلويح بالعصا الاقتصادية والسياسية يسبق عناصر التهديد المباشر الأخرى».
وخلص إلى القول: «إننا في الوقت الذي لا نقلّل فيه من مخاطر التهديدات المتوالية ضد إيران في هذه المسألة، وندرك حجم حركة الوعي والرشد الإسلامي الإيراني حيال ما يحاك ضد الجمهورية الإسلامية في هذا الشأن، نعرف أن إيران ليست العراق، وأن أميركا اليوم التي تغرق في الوحل العراقي، ليست أميركا الأمس، وأن من شأن المنطقة بكاملها أن تتغير في حال قامت هي أو «إسرائيل» بضرب إيران. ولذلك فإننا نجد في موقف البرلمان الإيراني بإلزام الحكومة بتخصيب اليورانيوم الذي تقرّه قوانين وكالة الطاقة الدولية موقفاً عقلانياً ومدروساً على رغم الأخطار المحيطة بهذه المسألة».
وختم بالقول: «ونحن في المقابل ندعو الدول العربية والإسلامية المجاورة أو غير المجاورة لإيران إلى أن تتحرك على أساس أن المسألة تخصها في ما هو الحجم الإسلامي السياسي والعلمي والاقتصادي أمام التحديات الزاحفة والتي تهدد الأمة بأسرها، وألا تنساق وراء ما تحاول أميركا و«إسرائيل» إثارته من هواجس لتخويفها من إيران بعدما ثبت للجميع أن إيران لا تتحرك بعقلية عدوانية، بل ضمن حركية إسلامية لحماية الأمة وقضاياها. والمطلوب من الأمة أن تنطلق في موقف إسلامي موحّد يؤكد حقّ دولها في امتلاك الطاقات العلمية البديهية لحماية مستقبلها الاقتصادي والسياسي أمام الغول الأميركي والصهيوني الذي يهم بمصادرة كل قضاياها على مستوى الحاضر والمستقبل»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ