في أول اجتماع من نوعه، عقدت جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام جمعيتها العمومية مساء أمس سعيا الى توحيد الاجندة في هذه الصناعة (صناعة استقدام الأيدي العاملة من الخارج) والوصول الى اتفاق مع وزارة العمل من اجل تنظيم المهنة وإبعاد المشبوهين عنها. ولكن وزارة العمل في واد، ومكاتب الاستقدام في واد، ويختلط الغث بالسمين، وتزداد مشكلات الوطن.
ان انتشار مكاتب في البحرين لاستقدام الايدي العاملة الاجنبية، (قرابة 86 مكتباً متخصصاً في هذا المجال) يعتبر بحد ذاته ظاهرة غير سليمة، وهذا يعني ان البحرين (وعدداً من الدول الخليجية ايضا) تعيش في عصر مختلف عن العصر الذي يمر فيه العالم أجمع. فالبحرين تستورد معدل سبعين شخصاً اجنبياً يوميا او اكثر من ذلك.
نقارن ذلك مع الدول المتقدمة، فهناك تنتشر في كل شارع تسوق رئيسي مكاتب يطلق عليها Job Centres وهي مكاتب تساعد المواطنين في الحصول على وظائف في مختلف الصناعات والاشغال والمناطق، وهي مراكز مدعومة بقاعدة معلومات وطنية تخبر المواطنين عن كل وظيفة تم الاعلان عنها في اي مكان. المواطن يدخل الى المكتب ويأخذ كل المعلومات، وهناك من يساعده اذا رغب في مراسلة احدى الشركات او الاتصال بها، وهي خدمة متوافرة للجميع من دون تمييز، ولا تدخل فيها الواسطات.
الحكومات المتقدمة هناك لديها مؤشرات عدة، ومن المؤشرات عدد الاعلانات عن الوظائف المعروضة في الصحف وفي مكاتب التوظيف. ويمكن التعرف على المشكلات من خلال متابعة قاعدة المعلومات التي تتم تغذيتها باستمرار بمعلومات المراجعين، بحيث يمكن التعرف على عدد الباحثين عن عمل من دون معوقات.
أما في بلادنا، فإن مكاتب البحث عن العمل هي للأجانب فقط، وكأن الله خلق بلادنا لكي توظف الاجانب وتستقدم الأيدي العاملة. والمفروض ان يفسح المجال لهذه المكاتب ان توظف البحرينيين، وهو امر لا تسمح به وزارة العمل وهي في الوقت ذاته أعجز من ان تدير مشروعاً من هذا النوع، على رغم النيات الحسنة التي يبديها المسئولون في الوزارة.
ولقد سبقتنا سلطنة عمان التي اتخذت خطوة متقدمة بحيث انها اتفقت مع دولة قطر لفتح مكتب لتوظيف العمانيين في قطر. فالمؤسسات القطرية التي تبحث عن مدرس او عن وظيفة تستطيع عمان توفيرها، يمكنها الاتصال بالمكتب وتسجيل الرغبة لتلبيتها، وهذه صورة رائعة من التعاون الخليجي. ونأمل ان نتخذها قدوة حسنة لنا، بحيث تقوم الحكومة بفتح مكاتب لتوظيف البحرينيين في البحرين وفي قطر وفي غيرها من الدول الخليجية التي تحتاج إلى الطاقات البحرينية.
من الواجب القول انه ليس كل ما يقال عن اصحاب مكاتب الاستقدام صحيح، فالاكثرية مخلصون في عملهم وهم يمارسون عملا مشروعا بحسب سياسة بلادنا. المشكلة تكمن في انعدام الرؤية الوطنية وتحويل كل شيء باتجاه استجلاب الأيدي العاملة الرخيصة، وما يستتبع ذلك من خلق سوق أشبه بسوق العبيد والاماء، إذ تنتشر ممارسات الفساد والرذيلة والـ «فري فيزا»، وامتصاص السيولة النقدية من السوق المحلية وتصديرها الى الخارج. مكاتب الاستقدام تشتكي من وزارة العمل، والاثنان ربما ضحية لسياسة اقتصادية خاطئة يجب ان نتعاون من أجل حلها قبل فوات الأوان
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ