كثيرة هي الرسائل التي ترد إلى الصحيفة بمختلف صفحاتها وتأخذ طريقها إلى النشر علها توقظ نزعة من ضمير أو فزعة لنجدة أو تحرك يدا استحكمت قبضتها لسنين وأبت مدها لأي محتاج!
ولا يخفى على الجميع محتوى هذه الرسائل، فكلها تحمل هموماً ولكن الغالبية العظمى منها تحمل شكوى استعصي على صاحبها حلها فكان آخر المطاف، بل آخر الأمل، كب الحلم على أعتاق الصحافة لأنها في المعتقد المكان الذي به من الممكن استثارة الرأي العام والوصول إلى من لا يمكن للضعفاء منا الوصول إليه إلا بفيتامينات باهظة الثمن ودهانات لا نحسن استخدامها وقرابات أبى الخالق أن نكون منها!
السكن، العمل، العلاج... ثلاثي لا يمكن أن يبارح أية صفحة من صفحات أية صحيفة محلية وبالذات تلك المتخصصة في شئون القراء ونشر مشكلاتهم وآرائهم... وهنا أؤكد أن آراءهم ربما تحمل من الهم أكثر بكثير مما تحويه الشكوى المباشرة!... وعلى رغم أننا تعودنا على سماع ذلك الثلاثي الحزين وكأنه أغنية قديمة نتباكى فيها على حالنا حتى بتنا ننفر منها باصطناع ضحكات تلهينا قليلا عن واقع الحال... فإن ضمن هذا الثلاثي من الشكاوى ما يستدعي الهبَّة والنجدة وبأسرع وقت ممكن لأن في ذلك إنقاذاً حتمياً من موت بات يطرق الأبواب أو تشتت وضياع وجوع علاماتها باتت تلوح في الأفق مع أن باب النجاة مفتوح والمطلوب قليل من بصر عين وبصيرة قلب ووخزة تحرك الإنسانية المجمدة فينا.
مع أصحاب هذه الشكاوى نحتار فيمن نوجه إليه الشكوى أو دعاء الاستنجاد والمناشدة، فالكل يطالب بإيصال صوته إلى القيادة العليا في البلد... وهنا مكمن حيرتنا وتساؤلنا: إن كانت كل قضايانا ببساطتها وفظاعتها نطالب بإرسالها إلى القيادة العليا، إذاً ما مهمة الوزارات التي تكتظ بها البلاد وما مهمة القائمين عليها بل وحتى المنضوين تحت لوائها من مديرين وسكرتارية ورؤساء أقسام، ولنستثن هنا أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة، هذا إن لم يكونوا أول المطالبين بواحد من هذا الثلاثي؟!
البعض من أولئك اللاجئين إلى الصحافة بعد الله يصرون وأيما إصرار على توجيه ندائهم إلى القيادة العليا خصيصاً ومباشرة لأنهم ببساطة استنفدوا كل السبل مع الوزارة المعنية حتى وصلوا إلى أعلى مسئول فيها ولم يجدوا حلا لمشكلتهم، بل لم يحصلوا حتى على رد شاف يشفي غليلهم بتوضيح المسألة فقط لا غير!
وتبعاً لذلك وكوننا في صحيفة «الوسط» نحاول بقدر الإمكان الابتعاد عن سياسة الاستجداء وحني الرأس فإننا نواجه دوما بكثير من العتب من المعتصرة قلوبهم بالألم والحيرة وخصوصا أولئك الباحثين عن علاج، بل فلوس عجزوا عن توفيرها لعلاج فلذات أكبادهم... ولنمسك الخيط من الوسط نحاول مناشدة المعنيين بشتى صنوفهم ومن دون تحديد في الوزارة المعنية ظنا منا بأن «اللبيب بالإشارة يفهم»... فلا أظن المسألة تحتاج إلى عميق تفكير، فبمجرد النظر إلى الصورة مثلا سنفهم المسألة أو بقراءة خاطفة للعنوان سندرك أبعاد القضية وسنفهم هي من اختصاص من وما المطلوب، ولكن يبدو أن العقول أقفلت مداركها قبل أن تقفل أبواب الوزارات والقابعين خلف المكاتب!
الصفحة الأولى من الصحف لا تحتمل هذا النوع من القضايا العامة الخاصة، وقليلون هم المحظوظون في البلاد من تجد شكواهم حيزاً على تلك الصفحة التي يبدو أنها الوحيدة التي يتفاعل معها «المكوشون» على أكبر المراكز وأدناها على حد سواء فتجد المشكلة طريقها إلى الحل وبأسرع من البرق على رغم أنها هي الأخرى لم تحو استجداء لشخص بعينه؟!... والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو هذه المشكلة المحظوظة نشرت في الصفحات الداخلية من الصحيفة وبالأسلوب نفسه هل ستجد الاستجابة نفسها؟ وماذا عن قليلي الحظوظ الذين لا مكان لشكواهم إلا صفحات بريد القراء وهم كثر في البلاد وقضاياهم يتفطر لها القلب ويدمى، هل أسقطوا من قائمة العطف والنجدة ضريبة قلة حظهم وتعميمهم لمناشدتهم الرحيمة قلوبهم والمعنيين بأمرهم؟! هل كتب علينا الانحناء والركوع بدافع من ذل الحاجة وفوق ذلك علينا تبجيل من نحن مجبرون على الانحناء إليه وذكره بالاسم واللقب ماذا وإلا «نأسف لم نفهم رسالتك»؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ