العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ

«ولائمنا» الرمضانية... تُقام مِن أجل مَن؟!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

لا تقتصر الولائم الرمضانية (العزايم) في شهر رمضان على البيوت الغنية فحسب، بل تمتد حتى الى البيوت متوسطة الحال. كما انك ربما تجد بعض الأسر متدنية الوضع المادي تصر على اقامة هذه الولائم ولو اضطرت الى اقتراض المال! كل ذلك رغبة في إظهار كرم هذا الشهر وإضفاء صبغة اجتماع الاحبة على مائدة واحدة تحت بركات شهر البركات.

لا أحد يختلف على جمالية هذه الولائم وأثرها على الترابط الاجتماعي، بل إن ذلك ما تعاهدته الاجيال من كرم العرب والمسلمين فضلاً عن الانبياء والأئمة والصالحين من سالف الزمان. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على البعد الاجتماعي والأثر النفسي الذي تتركه هذه العادات على قلوب المدعوين، وما تحمله من توطيد لأواصر الأخوة والمحبة بين الناس وهذا ما يسعى اليه الاسلام في سننه.

لكن ما يدعو الى الريبة غالباً، وخصوصاً في ولائم هذه الأيام هو نوعية المدعوين الى تلك الموائد ومراتبهم الاجتماعية. فلو دققنا قليلاً لوجدنا أن الغالبية العظمى من المدعوين هم من أولي الشأن وذوي الجاه سواء من العلماء أو من التجار أو الرموز أو غيرهم من أصحاب القرابة أو الزمالة أو «المصالح»! بينما لا تجد للفقراء والمحرومين من ابناء المجتمع مكاناً في تلك الولائم (إلا ما ندر)، وهذا ما يؤسف له حقاً، وهو مدعاة لإثارة الشك في نوايا غالبية القائمين عليها.

كرماء العرب... من كانوا يدعون؟

لو رجعنا الى التاريخ، وتصفحنا حياة الكرماء الأوائل وعلى رأسهم الرسول الاكرم (ص)، لوجدنا أن غالبية الولائم والنذور إنما تقام للفقراء والمعوزين الذين هم في اشد الحاجة الى التفات المجتمع وتعاطفه معهم لانتشالهم من حال الضعف والهوان الذي يعيشونه ولاشراكهم في المناسبات العامة والخاصة واشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، على رغم ما يعانون من ضنك العيش.

هكذا أدبنا الرسول (ص)...

كانت الاولوية دائماً لهذه النوعية من الناس، وكان صاحب النذر أو الوليمة يتفحص المجتمع جيداً قبل أن يقيم وليمته، ويسأل في السر (لا في العلن) عن اليتامى والمحتاجين والمتعففين من الناس في المجتمع أو خارجه، فيدعوهم اولاً وبعد ذلك يلتفت الى اقربائه واصحابه وذوي الشأن.

على هذه الشاكلة من الولائم الرمضانية وغيرها أدبنا رسول الأمة... وهذا ما عرفناه عن الكرماء الأخيار من العرب في كرمهم وسخائهم. فهل ينطبق الحال على مجتمعنا في هذه الايام؟ الواقع ينفي ذلك، وإن جاءت بعض الذرائع تبرر هذا الميل والتحيز لتلك الطبقة الرفيعة من الناس والتغافل عن المحتاجين بالاكتفاء بصدقة السر والخوف على اراقة ماء الوجه.

من المعلوم أن «صدقة السر تطفئ غضب الرب»، وصدقة السر لا تقتصر على شكل واحد، فهناك عدة اوجه لهذا النوع من الصدقة الحسنة. منها دعوة المتعففين من ذوي الفاقة إلى موائد الافطار بعنوان عفوي يبعد عنهم الحرج كالزمالة أو القرابة أو اي باب آخر. وهذا المرجو من اهل الخير.

وهناك امر مهم للغاية، وهو الأجر والثواب الذي يحققه العبد بالاضافة الى الأثر الاجتماعي في لمِّ الشمل جراء قيامه بمثل هذه الموائد الخيرة والولائم التي تجتمع على «سفرتها» نماذج مختلفة من طبقات افراد المجتمع، فترى الغني والفقير والعالم والعامي وصاحب الجاه وصاحب الفاقة.

كما بالامكان أن تتحول هذه الموائد الى مواقع خيرية لاصلاح ذات البين من خلال دعوة المتخاصمين، فلربما تكون تلك الدعوة سبباً في اعادة المياه الى مجاريها وتصلح بينهم ببركات تلك الوليمة.

إذاً... هكذا نحن محتاجون إلى أن نكون قريبين من عناصر تقوية اواصر المجتمع والاسهام في علاج مشكلات العوز والاختلافات في كل تحركاتنا ليصل الامر حتى الى ولائمنا ونذوراتنا التي لا ينال الله طعامها ولا لحومها ولكن لكي تسجل في رصيد اعمالنا الخيرية في شهر رمضان المبارك.

الفرق بين مأدبة علي ومأدبة بركاته!

موضوع آخر مرتبط بموضوعنا يحتاج الى إلقاء نظرة واقعية تحلحله وتمعن في جوانب السلب والايجاب منه، ألا وهو موضوع الموائد التي تقام على بركة الأئمة عليهم السلام، وخصوصاً في شهر رمضان.

قبيل ايام انتهينا من ذكرى وفاة امير المؤمنين الامام علي (ع). وكم لاحظنا الفارق الكبير والبون الشاسع بين ما نسمعه من موقف الامام لما أتت له ابنته زينب (ع) بذلك الافطار الذي يحتوي على اللبن والتمر فقال لها: بنيتي ارفعي أحد الإدامين. وبين ما يحصل من اسراف كبير للغاية على موائد الافطار التي نقيمها على بركة الامام تخليدا لمنهجيته وفكره، ورأينا كيف أن ثلثي الطعام يرمى في القمامة ولا يؤكل! فهل هذا يرضاه الله ويرضاه علي؟ ألا ينبغي على إدارات المآتم أن تفكر بجدية تامة في هذا التبذير والاسراف المناقض لطبيعة العمل الخيري وطبيعة الانتماء الفكري والمنهجي.

هذا موضوع يحتاج في حد ذاته الى وقفات طويلة لغربلته وللنظر في تسخيره ليصب في صالح الفقراء والمحتاجين، في الوقت الذي يتبرك المؤمنون بجزء منه فحسب. فالأمل يحدونا الى وقفة جادة ودقيقة ممن يهمهم الامر في كل ما ذكرناه من اجل ولائم و«عزايم» اجتماعية يعم خيرها الجميع

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً