العالم العربي يمر منذ فترة طويلة في مرحلة دقيقة. وزاد من صعوبات المرحلة الآن إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش لولاية ثانية. فالادارة الأميركية بعد نزاع طويل شكك في شرعية سياستها الداخلية والخارجية أخذت التفويض الشعبي المطلوب للاستمرار في تلك السياسة.
التفويض لم يتجاوز 51 في المئة من أصوات الناخبين ولكنها نسبة كبيرة في المقاييس الأميركية للتحرك باتجاهات ترى إدارة واشنطن ان هناك مصلحة لها في سلوكها.
الوضع العربي (والاسلامي) دقيق للغاية وهو يتطلب مراقبة لمجمل تلك المصالحات التي قد تبادر إليها ادارة بوش في المرحلة المقبلة مع أوروبا وروسيا والصين. فالمصالحات جيدة لكنها قد تعني في وجه من وجوهها محاولة أميركية لضرب العزلة على العالم العربي واحكام السيطرة أو على الأقل محاصرة دوله واسقاط بعضها لحسابات استراتيجية تتعلق أصلا بتأمين النفط وضمان أمن «اسرائيل».
هناك وقت لإعادة قراءة المتغيرات الا ان فرص التعديل ليست مفتوحة على احتمالات كثيرة. كما أن الوقت المعطى للملاحظة والتفكير لا يتعدى الأشهر القليلة. فالمسألة لم تعد تحتمل اللعب في الوقت الضائع بعد أن أصبحت الفرص محدودة.
العالم العربي في وضع دقيق ودخل الآن منطقة خطرة إذا لم تتحرك دوله لاحتواء ما هو أسوأ. ومن شروط الاحتواء الانفتاح الداخلي والتصالح مع المجتمعات وتوسيع الجبهة الداخلية وتنويع مصادر القوة السياسية للدولة ورص الصفوف ومنع التلاعب في الحياة المدنية العامة. وهذا لا يتم من دون تسامح وتعديل صورة الدولة وإعادة تأسيس ما انقطع من صلات بين النخبة والأهل. كل هذا لابد من التفكير فيه حتى لو كانت مدة الأشهر قليلة. فالتفكير أفضل من غيره لأنه على الأقل يوفر مساحة لقاء بين قوى لها مصلحة مشتركة في حماية الأمة وحفظ أمنها وضمان مستقبلها وثرواتها وأخيراً حجز مكان لها في عالم يصنعه الأقوياء. فالأمة ليست ضعيفة ولكن دولها استضعفت نفسها وسمحت للآخر التدخل في شئونها. ومن يستضعف نفسه لا تحترمه الدول الكبرى بل يشجعها على الاستقواء والعمل على المزيد من اضعافه.
المعادلة العربية (والاسلامية) الآن لم تعد قادرة على التحرك من دون رؤية التحولات الدولية ومراقبة ماذا يحصل في العالم. فالمعادلة على رغم الضربات العسكرية والتمييز الدولي والكيل بمكيالين لاتزال تلعب لمصلحة العامل العربي بشرط أن تتدارك الدول العربية الوقت وتبدأ بإعادة انتاج سياسة مضمرة موجودة بالقوة ولكنها لم تنجح على إعادة تأسيسها بالفعل.
هناك الكثير من الفرص وهناك الكثير من الدول التي تنتظر من العالم العربي التحرك نحو صيغة تفاهمية للعمل ضد ما يهدد المشترك الانساني. فالاتحاد الأوروبي لم يغادر قارته وهو لايزال على استعداد للتعاون ضمن شروط صعبة. كذلك الاتحاد الروسي فهو يبحث عن موقع في معادلة دولية ليست الدول العربية والاسلامية بعيدة عن صوغ شروطها. كذلك الصين فهي تحتاج إلى مكان متقدم في المعادلة الدولية كما تحتاج الدول العربية إليها في إطار التطور الذي تشهده دول جنوب آسيا. وأيضاً الهند فهي من الدول الكبرى الواعدة في لعب دور مهم في المستقبل.
كل هذه القوى ليست أصفاراً وإنما هي تشكل رافعة اقتصادية - سياسية في السنوات المقبلة. وهذا ما يعني بلغة الأرقام والحسابات تشكل مراكز قوى منافسة للسياسة الأحادية الجانب التي تقودها الولايات المتحدة. فالأخيرة قوية ولكنها ليست وحدها في العالم. والعالم يتطور وبقدر ما يتطور يصغر حجمها ودورها.
في مباراة كرة السلة في إطار الدورة الأولمبية التي جرت حديثاً في أثينا لاقى الفريق الأميركي صعوبات في البطولة. وعندما سئل المدرب عن سبب تراجع الفريق (الحلم) أجاب ببساطة: نحن لم نتراجع وإنما فرق العالم تقدمت.
التقدم يعني في وجه من وجوهه هو تراجع الآخر. وكما حصل لفريق السلة الأميركي في بطولة أثينا الأولمبية يمكن القياس عليه لإداراك معنى الاجابة التي قالها مدرب الفريق الأميركي: نحن لم نتراجع وإنما غيرنا تقدم.
التقدم الذي أحرزته وتحرزه أوروبا وروسيا والصين والهند أيضاً يعني في بعده الاستراتيجي والتاريخي والسياسي هو بداية تراجع للموقع الأميركي ودور الولايات المتحدة في التأثير على المعادلة الدولية.
العالم العربي الآن يمر في فترة حرجة ولكن امكانات تقدمه موجودة بشرط أن تكتشف الدول العربية مصادر قوتها ومكانها في عالم يتجه نحو التقدم. الوقت قصير لكن الفرص ليست معدومة في حال استعدت الدول العربية لمراقبة الوضع وقرأت جيداً التحولات وصاغت مجدداً تحالفاتها ومصالحها وباشرت في إعادة تأسيس صورتها انطلاقاً من عقد تلك المصالحة التاريخية بين النخبة (الدولة) والأهل (المجتمع)
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ