شاركت قبل فترة، في ندوة أقيمت بأحد المجالس في مدينة المحرق بشأن موضوع: «الطائفية في المجتمع البحريني»، وبعد انتهاء الندوة، طلب مني ثلاثة من الإخوة الحضور (الانزواء) في ركن بالمجلس لحديث جانبي! فكان لهم ما أرادوا لاستمع إلى طرحهم المكرر: «نحن إخوة ولكنكم تشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين... نحن أهل بيت واحد ولكنكم تنوون شرا للحكومة ولأهل السنة... أنتم لا تعرفون منهجا سلميا للمطالب التي نشترك في بعضها معكم... تتركون الشباب لتدمير البلد وتخريبها... تسيرون خلف علمائكم بلا عقل... تحبون إيران وعمائمها أكثر من حبكم لبلادكم وقيادتكم... رموزكم الدينية يشجعون الشباب على العنف و«التحريق» ولم نر موقفا واحدا عقلانيا منهم لتأييد المنهج السلمي... وربما تجاوزت القائمة التي تحدثوا فيها لتدور في ذات المحاور وذات النقاط بشكل مكرر ممجوج.
لم يكن من المستعصي علي أن أجيب على كل تلك النقاط، وأكثر منها، لكنني سألتهم سؤالا واحدا قبل بدء حديثي: «ألم يكن في إمكانكم أن تطرحوا هذه النقاط على رؤوس الأشهاد وأمام حضور الندوة في الوقت المخصص للنقاش؟ فطريقتكم في الحديث (المنزوي) توحي... بأنكم إما لا تريدون إثراء النقاش بتوسعة الآراء وتنويعها، أو أنكم لا تريدون للعدد الأكبر أن يستمع لوجهة نظر أخرى».
كانت إجابتهم غير مقنعة بالنسبة لي إذ قالوا: «لا أبدا... لكن هذه رغبتنا نحن فقط»! وعلى أي حال، أوضحت لهم مواقف علماء أعلام من الطائفة الشيعية، يحرمون فيها شتم الصحابة وأمهات المؤمنين، ووسائل الإعلام نقلتها بما يكفي وهي غير خافية، أما بالنسبة لنوايا الشر للحكومة ولأهل السنة فهذه أسطوانة اعتاد بعض كباركم من الخطباء أو من يسمون أنفسهم ناشطين سياسيين ترويجها في خطب الجمعة وفي المجالس والتصريحات إلى درجة أن بعضهم تعدى ذلك ليحرم المواطن من حق كفله له المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وكفله له الدستور في المطالبة بحقه والتعبير عن رأيه بحرية، وأما بالنسبة للمنهج السلمي في المطالب فلا يمكن إغلاق العين عن عشرات المسيرات والاعتصامات السلمية، والنظر فقط بطرف قصي لمظاهر العنف والتخريب والتحريق التي تشهدها بعض القرى، وموقفي الشخصي منها واضح وهو رفضها والتحذير منها، وقد تناولتها محذرا الشباب مرارا وتكرارا، أما السير خلف العمائم بلا عقل فهي فرية لا يقبلها عقل، حالها حال حب إيران وعمائمها أكثر من حبنا لبلادنا وقيادتنا، وكأن الناس حين تطرح على القيادة مطالبها، فإنها من دون شك (مدفوعة من إيران) فبئس التفكير!
البحرين وطننا جميعا، وقيادتنا شرعية، وكما يعرفني الكثيرون، فإنني لا أعادي الدولة ولا العائلة الحاكمة ولست مؤمنا بشعارات (الموت) إطلاقا، لكنني مؤمن بأن هناك مطالبا مشروعة كفلها الدستور لي ولغيري، ومنحتني الدولة هذا الحق، لابد من المطالبة بها بلا ضرر ولا ضرار.
ولعل أهم نقطة هنا، هي الادعاء بأن الرموز الدينية يشجعون الشباب على العنف والتحريق وأنه ليس هناك موقفا عقلانيا واحدا منهم لتأييد النهج السلمي! ولا أدري، هل هناك من لا يقرأ الصحف ولا يتابع وسائل الإعلام المختلفة اليوم؟ فالتحذير من استخدام العنف والتحريق وإشعال الإطارات وتعريض حياة الناس والممتلكات للضرر صدرت في دعوات متكررة من الشيخ عيسى قاسم، ومن الشيخ علي سلمان ومن الشيخ محمد علي المحفوظ بل لطالما أكد الأستاذ حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد على النهج السلمي، و... بالمناسبة، لا بأس من التذكير بما قاله أخيرا الشيخ عبدالجليل المقداد في ندوة عن المعتقلين السياسيين أقيمت مساء الخميس في قرية كرزكان من أن «الأساليب السلمية كثيرة، وأنه يجب على الجماهير الالتزام بها حتى لا يتم تشويه صورة المجتمع البحريني الذي طالما عرف عنه الالتزام والتحضر».
إذن، مواقف العلماء واضحة، فلا ضير من مواقف الذين ينظرون بعين واحدة!
على أية حال، ألسنا في حاجة لدعم التوجهات نحو الحوار والعمل لإنجاح المبادرات المطروحة لإنقاذ البلد؟ أليس من حقنا مطالبة الدولة باحتضان تلك المبادرات؟ بل وإفساح المجال للرموز الدينية والسياسية على التقدم بالمبادرات واحدة تلو الأخرى، حتى لو تعثر بعضها؟ فالمطالبة بالحقوق تحتاج إلى منهج عقلاني سلمي مستمر وتوافق وطني مشترك بين كل الأطياف، على أن -وهذا الكلام موجه للحكومة- تقطع لسان المشككين والطائفيين الذين يؤلبون المواقف ويثيرون البغضاء والتناحر السياسي والعقائدي في المجتمع، وبالنسبة للشباب، والكلام في شأنهم يطول، فإن الكثير منهم يخطئ، حالهم حال كل بني آدم، لكنهم أبناء البلد، ولابد من رعايتهم وتوجيههم والاهتمام بهم بالصورة التي تشعرهم بأن دورهم محترم في البناء والمشاركة بشكل حقيقي وفاعل، حينها، سيأتي منهم الخير الكثير. وللحديث بقية
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2382 - السبت 14 مارس 2009م الموافق 17 ربيع الاول 1430هـ