إن يقول قادة الدول العربية الأربع بأن قمّّتهم المصغّرة كانت من أجل تنقية الأجواء العربية فهذا ادعاء فوق طاقتهم. ذلك أن الأجواء العربية هي ملك للكل وأمر يهم الجميع ويحتاج إلى حضور وجهود الجميع. أما إذا تواضعت تلك القيادات وأكدت أنها اجتمعت لحل الخلافات المتأزمة فيما بين ثلاثة من أنظمتها السياسية فإننا نحيي تلك الخطوة، إذ إن الخلافات فيما بين الثلاثة تمثل أحد أهم وأصعب مصادر تسميم مجمل الأجواء العربية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار لتلك البديهيات الإجرائية والواقعية بالنسبة للقمة المصغّرة التي انعقدت في الرياض دعنا نطرح السؤال التالي: هل حقا أن لدى الأنظمة العربية الحصافة من جهة والإرادة والحرية والاستقلال من جهة أخرى لتقفز من وضع التشرذم والصراعات المأساوية التي تعيشها إلى رحاب العيش في أجواء نقية وعلاقات قومية أخوية؟ الجواب تحدده الملاحظات التالية والشروط المطلوبة لنجاح مؤسسة القمّة العربية.
أولا: هناك حاجة للابتعاد عن العموميات المفرطة في طرح المواضيع واستبدالها بشفافية وصدق إشارة إلى العناوين الرئيسية والفرعية للمواضيع التي ستجرى حلحلة الخلافات بشأنها وتنقية الأجواء المحيطة بتلك المواضيع. إن المواطن العربي لا يريد أن يبقى متفرجا ومستمعا لخطابات علاقات عامة مجاملة، بل يريد أن يؤكّد له بما لا يقبل الشك بأن قمم المصالحات والتنقيات ستتفق على حدود دنيا معقولة وفاعلة لنظرات مشتركة وخطوات عملية بشأن المواضيع الساخنة البالغة الأهمية، التي تتقاطع مع المصالح القومية العربية العليا والتي هي محل خلاف مضر للجميع.
هناك الموقف من الحكومة الصهيونية الجديدة المتبنية لإيديولوجيا القمع والإبادة والترحيل، فهل ستواجه بدعم وتطوير وتوسعة كل أنواع المقاومات العربية للمشروع الصهيوني، رسمية وشعبية وأينما كانت؟ هناك موضوع الاستقلال العربي والخروج من تحت عباءة الهيمنة الأميركية واستعادة القدرة على اتخاذ القرارات العربية المشتركة من دون وصاية. ذلك أن وجود حدود دنيا قومية في تعامل كل دولة عربية مع أميركا، وبحيث لا يكون على حساب دول عربية أخرى أو على حساب الأمن القومي العام، أصبح مطلبا سياسيا مستعجلا، والقبول بوجود أحصنة طروادة في الأرض العربية يجب أن يجتث من جذوره. هناك المؤامرة الكبرى على السودان والصومال لتجزئتهما واستغلال ثرواتهما وتركيعهما، وهو ما لا يمكن عمل أي شيء لدرئها طالما أن المشروع الصهيوني-الأميركي يسرح ويمرح في كل مكان. هناك الإقدام بجرأة وبنديّة على بناء علاقات استراتيجية واضحة مع تركيا وإيران في وجه محاولات إدماج الكيان الصهيوني في أي تكتّل إقليمي. هناك التخبّط المعيب للسياسات الاقتصادية والأهداف الاستثمارية في كل الأرض العربية وخصوصا في أجواء أهوال الانهيار الاقتصادي الحالي. وهناك أخيرا قضية انتشال الجامعة العربية من محن ضعفها وتهميشها وشلّ أياديها.
ثانيا: الانتباه إلى أن هناك مشرقا عربيا ومغربا عربيا، فأن تعقد قمة عربية مصغرة تتنطح لمهمة تنقية الأجواء من دون أن يحضرها رئيس دولة عربية في المغرب، الذي يكوّن أكثر من ثلث الأمة العربية، فهذا أمر لا يتماشى مع المصالحة ولا مع منطق المساواة القومية. والواقع أنه آن الأوان للمشرق العربي أن يتوقف عن الاعتقاد بأنه هو الأمة العربية.
ثالثا: من الضروري أن تفهم كل الأنظمة العربية، وخصوصا أنظمة الدول الكبيرة، بأن ممارسة وضع الفيتو على هذه الخطوة أو تلك هو أمر غير مقبول. ولذلك فالذي يريد تنقية الأجواء لا يعترض على حضور أمير قطر قمّة مصغّرة وهو الذي سيكون رئيسا لمؤتمر القمة المقبل ولمدة عام وبالتالي سيكون معنيا بكل خطوات المصالحات خلال عام كامل. والأمر نفسه ينطبق على عدم إشراك الأمين العام للجامعة العربية في كل قمّة مهما صغرت أو كبرت وهي المؤسسة التي يجب أن تكون أداة رأب كل تصدع في الحياة العربية.
رابعا: إن مؤسسة القمم العربية يجب أن لا تكون معنية بالدفاع عن والمحافظة على الأنظمة العربية، فهذه شئون داخلية، ولذلك فطالما أن القادة يضعون عينا على أنظمتهم السياسية وعينا على المصلحة القومية فإن إمكانية النجاحات القومية الباهرة ضعيفة
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 2382 - السبت 14 مارس 2009م الموافق 17 ربيع الاول 1430هـ