العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

الانتخابات الرئاسية والعلاقات البحرينية الأميركية

تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية خاصة في مجال السياسة الخارجية، إذ تساهم صناديق الاقتراع في تحديد طبيعة هذه السياسة للسنوات الأربع التي تلي الانتخابات عن طريق المواقف التي يتبناها الرؤساء المترشحون في برامجهم الانتخابية، وهي بالطبع تأتي تعبيراً واضحاً لموقف الحزبين الرئيسين في النظام السياسي الأميركي (الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري).

إلا أنه لابد من تأكيد أن السياسة الخارجية الأميركية لديها سمة عدم التغير السريع فهي سياسة تقوم على ثوابت ومصالح واضحة لدى الإدارات المتعاقبة. وما تؤدي إليه الانتخابات الرئاسية عادة ليس إلا مراجعة للأنماط والأساليب المتبعة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، ودراسة جدواها ومدى فاعليتها في تعاملها وتعاطيها مع مختلف القضايا الدولية، ومن ثم تغيير نمط السياسة الخارجية الأميركية وليس تغيير منهجها ومضمونها.

وبالتالي فإن السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط عموما واستراتيجيتها تجاه منطقة الخليج تحديدا لن تتغير على صعيد الأهداف والمصالح سواء تم التجديد للرئيس الحالي بوش، أم تم انتخاب المترشح الديمقراطي جون كيري لتولي الرئاسة، وإنما من المتوقع أن يتغير الأسلوب وشكل السياسة وآلياتها وليس مضمونها.

وفي ضوء هذه الحقائق يمكن إلقاء الضوء على تأثيرات وأبعاد الانتخابات الرئاسية على العلاقات البحرينية الأميركية بخصوصيتها وطبيعتها المختلفة بدءا بامتداداتها التاريخية. فالبحرين بموقعها الاستراتيجي كأرخبيل في قلب منطقة الخليج تشكل مركزا إقليميا مهما للولايات المتحدة دفعها للاهتمام بها منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، إذ توطدت العلاقات بشكل كبير طوال قرن ونصف القرن حصلت بموجبها على تسهيلات عسكرية في قاع9دة الجفير في العام 1947 لتقيم عليها المقر الرئيسي للأسطول الخامس الأميركي لاحقا. كما زادت الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد من متانة العلاقات بين البلدين خصوصاً عندما قامت الشركات النفطية الأميركية بالتنقيب عن النفط وإنتاجه منذ العام 1932. ومع حصول البلاد على الاستقلال تم افتتاح أول سفارة للولايات المتحدة بالبحرين في 21 سبتمبر/ أيلول 1971، ووصل بعدها أول سفير أميركي مقيم في المنامة في العام 1974. بالمقابل فقد افتتحت البحرين أول سفارة لها في العاصمة الأميركية واشنطن في العام 1977. وتطورت العلاقات الأمنية بين البلدين بعد حرب الخليج الثانية، إذ تم توقيع اتفاق تعاون دفاعي في أكتوبر/ تشرين الأول 1991.

ازدياد أهمية البحرين

وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الحالية 2004 وتداعياتها فإنه يتوقع أن تزداد أهمية البحرين بالنسبة إلى الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فعلى رغم محدودية الاقتصاد والسوق البحريني، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البحرين والولايات المتحدة في العام 2003 حوالي 814.3 مليون دولار أميركي بميل واضح للولايات المتحدة فإن البحرين تمثل أهمية استراتيجية كبرى للسياسة الخارجية الأميركية. فالمملكة تشهد سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية بشكل متسارع منذ العام 2001. وهو ما دفع بالولايات المتحدة إلى بدء المفاوضات لإقامة منطقة تجارة حرة مع البحرين قبل دول مجلس التعاون الأخرى ليتم توقيعها في 14 سبتمبر الماضي، وتكون المملكة البلد الثالث في منطقة الشرق الأوسط الذي يقوم بتوقيع هذا الاتفاق بعد الأردن والمغرب، وهو يأتي ضمن التوجه الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش في مايو/ أيار 2003 لإنشاء منطقة تجارة حرة في الشرق الأوسط بحلول العام 2013. كما أن نموذج الإصلاح السياسي في البحرين قد يكون مناسبا لتعميمه في بلدان الخليج الأخرى، ولاسيما وأنه كان موضع إشادة من قبل كبار المسئولين الأميركيين في غير مرة.

وتأتي الانتخابات الرئاسية لتلقي بظلالها على مجموعة من القضايا في العلاقات البحرينية الأميركية. وأولى هذه القضايا استمرار الوجود العسكري الأميركي في البحرين، ويلاحظ على هذه القضية التي تثيرها بعض القوى السياسية المحلية بأنها بعيدة تماما عن أجندة الحكومتين بسبب استمرار مفعول اتفاق التعاون الدفاعي الذي وقع بعد حرب الخليج الثانية، فضلا عن استمرار حال عدم الاستقرار الإقليمي، وما يعزز ذلك إعلان الولايات المتحدة في أكتوبر 2001 بأن البحرين تعد حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو، وهو وضع عسكري مميز لا تتمتع به البلدان الأخرى في المنطقة.

اتفاق التجارة الحرة

أما القضية الثانية فهي مسألة التصديق على اتفاق التجارة الحرة البحرينية الأميركية وتنفيذه. وهو أمر متوقع بعد الانتخابات الرئاسية إلا أن عدم استيعاب القطاع الاقتصادي في البحرين لأهمية هذا الاتفاق والفرص الناجمة عنه وتحدياته سيثير إشكال يتعلق بجدواه على الصعيد الوطني. ومن التحديات التي سيواجهها هذا الاتفاق تأثيراته المتباينة على الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي الخليجي، وعلى نسبة التعرفة الجمركية الموحدة تجاه العالم الخارجي بالإضافة إلى تأثيره على نقطة الدخول الواحدة، وخصوصاً أن بعض دول الخليج قد أبدت معارضتها لهذا الاتفاق باعتباره خروجا عن استراتيجية التفاوض الجماعي التي أقرها الاتفاق الاقتصادي الخليجي الموقع في ديسمبر/ كانون الأول 2001.

معتقلو غوانتنامو

وتأتي قضية المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو لتكون مسألة عالقة في العلاقات البحرينية الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية، فعلى رغم الجهود التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني تجاه هذه القضية فغن الحكومة لم تبد الحماس نفسه في ظل التعقيدات التي وضعتها الإدارة الأميركية لمعالجتها. ومع ذلك فقد شكل إعلان الولايات المتحدة موافقتها في 4 فبراير/ شباط الماضي لزيارة وفد بحريني رسمي لمقابلة المحتجزين البحرينيين بداية أولى لنهاية هذه القضية الشائكة بعد أن أوفدت وزارة الخارجية البحرينية وفدين في أبريل/ نيسان 2002، وفبراير 2003 للتباحث مع حكومة الولايات المتحدة للسماح بمقابلة السجناء البحرينيين. ويبقى هذا الملف مفتوحا على مختلف الخيارات في ظل تدخل جهات حقوقية دولية لتحريكه على مستوى دولي.

في النهاية فإنه لا يبدو أن هناك تأثيرا كبيرا للانتخابات الرئاسية على العلاقات البحرينية الأميركية. ولكن هناك مؤشر قد تقوم الإدارة الجديدة بتعزيزه في سياستها الخارجية خلال المرحلة المقبلة بعد أن تفاقمت الأوضاع في العراق، إذ ظهرت خلال الفترة الماضية عدة مؤشرات تشير إلى تزايد اهتمام الولايات المتحدة بجعل البحرين مركز إقليميا لإعادة إعمار العراق، وما يؤكد ذلك سلسلة من الفعاليات الدولية التي استضافتها المملكة تضمنت معارض ومؤتمرات مهمة بشأن إعادة الإعمار.

بالإضافة إلى عقد اجتماع بين لجنة الشئون الاقتصادية والمالية بمجلسي الشورى والنواب ومساعد وزير التجارة الأميركي ورئيس لجنة مهمة إعمار العراق ويليام لاش لبحث اتفاق التجارة الحرة وعملية إعادة إعمار العراق. وقيام القائد العام للقوات الأميركية الوسطى الفريق أول جون أبي زيد بزيارة البحرين ولقاء كبار المسئولين في الدولة.

ومما سبق يتضح تزايد أهمية البحرين في الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة، ويؤكد المساعي الأميركية للتركيز على البحرين لتكون مركز إقليميا لعملية إعادة العراق مع اقتراب موعد دخول الشركات الأميركية السوق البحرين وتعزيز مكانة الشركات الأميركية العاملة في البلاد والبالغ عددها 180 شركة بعد التصديق على اتفاق التجارة الحرة قريبا

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً