العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

تداعيات وآثار حوادث سبتمبر على العرب

لم تكن العلاقات العربية الأميركية تخلو من الاضطراب بسبب الصراع العربي الإسرائيلي. ولم يكن ينقص هذه العلاقات صراعا سوى تزامن أزمة اقتصادية أميركية خانقة مع كارثة أميركية يزعم الأميركيون أنها من صنع عربي. ومع ذلك فهم يعجزون حتى هذه اللحظة عن إيجاد الأدلة على هذا الزعم. لكن هذا العجز لم يمنع من تحول العلاقات العربية الأميركية إلى علاقة عدائية تبرر للطرف الأقوى ممارسة قوته من دون روادع، فكانت حرب أفغانستان وتلتها حرب العراق إلى سلسلة من الحروب الأميركية التي قامت ضد الدول العربية الواحدة تلو الأخرى.

عرب أميركا

لكن من الوقائع التي ربما لا يعرفها الكثيرون أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة عشية حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بلغ 6 ملايين نسمة، بحسب أرجح التقديرات. وقد يكون العدد أكثر قليلا أو أقل، ذلك أن الإحصاءات الرسمية للحكومة الأميركية لا تدخل دين المواطن في الحساب، بمعنى أن أحدا لا يسألك عن دينك. لكن بعض البحوث العلمية المنشورة تشير إلى أن المناطق والأحياء التي يسكنها المسلمون لها صلة بالمجموعات القومية، من: الأفارقة الأميركيين، هنود وباكستانيين، وعرب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهم يكونون بحسب المعلومات المتوافرة عامة المسلمين الأميركيين، الذين تتوزع نسبتهم على 26,2 في المئة من الشرق الأوسط والمغرب العربي بينما 30 في المئة من آسيا الجنوبية و 23,8 في المئة من الأفارقة الأميركيين، 11,6 في المئة من أماكن أخرى وأخيرا 10,3 في المئة من الشرق الأوسط من غير العرب. وبالرجوع إلى بعض الدراسات السوسيولوجية الحديثة، يبدو أن هذه المجموعة الإسلامية بدأت تشعر بأهميتها ووزنها في أواسط عقد التسعينات، وتعمل من أجل أن يكون لها بعض تأثير بصفتهم مجموعة ضغط، وان ليس بالإمكان الحديث بعد عن لوبي حقيقي. لهذا كانت عملية 11 سبتمبر الإرهابية ضربة موجهة إلى المسلمين الأميركيين بقدر ما كانت موجهة إلى الإدارة وإلى بقية المواطنين. فتلك العملية أعادت وضع الإسلام محل سؤال، وبالتالي وضعت مسلمي أميركا في حال مشبوهة ودفاعية، بعد أن كانوا في الطريق إلى تحقيق الاعتراف بهم مجموعة ضاغطة في السياسة. ففكرة أن الإرهابيين قادرون على تأدية عمليتهم في حال تعاون بعض المسلمين معهم، أصبحت هاجسا يسيطر لا على رجال الأمن فقط، وإنما كذلك على المواطن الأميركي العادي.

السياسات الأميركية

أما من الناحية السياسية فلم تغير حوادث سبتمبر الكثير في السياسة التي تنتهجها أميركا تجاه قضية فلسطين مثلا، لكنها في المقابل دفعت إلى تشدد الإدارة مع المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة أو المهاجرين أو حتى المسافرين أو الدارسين فيها. ويمكن أن نتصور طبعا التأثير الذي قد يكون لعملية من هذا القبيل، لو وقعت مثلا في «إسرائيل» نفسها. فموت الآلاف بضربة واحدة قد لا يؤثر في قوة عظمى كالولايات المتحدة، وإنما قد يدفعها إلى الرد بقوة أكبر، كالذي حصل مع اليابانيين بعد «بيرل هاربر». وبالنظر إلى واقع الساحة العربية فإن «إسرائيل» لاتزال في حال حرب مباشرة مع العرب والمسلمين عامة، بحيث يجوز من الناحية الأخلاقية والشرعية استعمال وسائلها لمحاربتهما، وهو ما لا نراه ينطبق على حال الولايات المتحدة في فلسطين. فمهما قيل عن مساعدتهم لـ «إسرائيل» فالأميركيون يريدون أن يكونوا طرف سلام، أما كونهم لا يمثلون طرفا منصفا للعرب، فهذا أمر آخر مختلف، ومهما يكن اختلاف الرأي فقد تكون حوادث سبتمبر رسالة ليتعرف الشعب الأميركي على حقيقة ما تسببه سياسات بلادهم الخارجية من أضرار متلاحقة على العرب والمسلمين في الشرق الأوسط.

أزمة الاقتصاد

ومع ذلك فأمام هذه الوقائع بات على الولايات المتحدة أن تنقذ اليوم علاقاتها مع العرب والمسلمين من أجل مصالحها معهم. إذ أصبح من المستحيل على إدارة بوش الحالية الاستمرار في سلوكها الموحي برغبتها في إعادة إحياء حلف جديد يضم أصدقاءها في المنطقة. وكذلك أصبح التفكيك العنقودي لدول المنطقة أكثر صعوبة. لكن العودة إلى التحليل النفسي لبوش الابن وديك تشيني تظهر أن عنادهما قد يدفع بهما إلى ركوب مخاطر هذه الحلول المستحيلة. لكن وحدها أزمة الاقتصاد الأميركي قد تكون الرادع لتنفيذ مثل هذه السياسات. فخلاص الولايات المتحدة من الانهيار مرتبط بالنفط العربي. إلا أن المأزق الأميركي الراهن يعيد أيضا طرح الصراع النظري بين التيارين الأميركيين الرئيسيين في السياسة الخارجية الأميركية. وهما التيار الانفتاحي ونقيضه الانعزالي الداعي إلى تجنب زيادة الإنفاق على التسلح وتقديم التضحيات المهددة للاقتصاد الأميركي.

آثار هجمات سبتمبر: الموازنة الدفاعية

الوسط - هنادي منصور أعلن أسامة بن لادن في شريط فيديو مسجل في وقت ما من نهاية العام 2001 أن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، «ضربت بعمق قلب الاقتصاد الأميركي». فاستنادا إلى المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، دخل الاقتصاد الأميركي في حال ركود في مارس/ آذار ،2001 ويواجه الاقتصاد متاعب جمة تفاقمت في عهد الإدارة الحالية للرئيس جورج بوش. إذ انفق بوش بتزايد مطرد على الجانب الدفاعي والدعم الخارجي وأيضا على نفقات الحروب الوقائية والاستباقية وعمليات إعادة بناء أمم، كما في حالات كوسوفو، أفغانستان والعراق، وتأهيل قارات كما في حال إفريقيا «الإيدز، التنمية، المجاعة والحروب الأهلية». فإذا ما تم ذلك من دون مساعدة كاملة من الحلفاء والتنسيق معهم، ومن دون تنشيط الاقتصاد الداخلي، فإن النتيجة لابد أن تكون إما حجب المال عن الدور السياسي البوليسي الأميركي العالمي، وإما حجبه عن خدمات المواطن الأميركي، أو الإفلاس طبعا. قبل ثلاث سنوات فقط، كانت الموازنة الأميركية فخورة باستعراض فائض يعادل 240 بليون دولار. بعد تطورات حرب أفغانستان والعراق وما نتج عنها من خسائر في البورصة، وكلفة في النفقات، وخفض في الضرائب لاسترضاء الناخب وإسكاته عن معارضة الحرب، انقلب الحال إلى عجز في الموازنة هذا العام فاق 400 بليون دولار، يضاف إليها 80 بليون دولار نفقات الحرب وإعادة إعمار العراق. ومن المقدر أن الإنفاق الأميركي على إعادة بناء العراق سيصل إلى 200 بليون دولار في السنوات الخمس المقبلة «من دون احتساب كلفة الاحتلال عسكريا». قبل العراق كانت تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس ترى انه حتى العام ،2013 سيتراوح الفائض بين خمسة وستة آلاف بليون دولار. ولكن المكتب أصبح يقدر الأرقام بعد العراق بألف وثمانمئة بليون دولار عجزا وليس فائضا، وربما وصل العجز إلى أربعة آلاف بليون دولار بحسب تقديرات غير حكومية، ولكن من أين يأتي المال لسد العجز الحالي والمستقبلي؟ أحد الاقتصاديين في بنك الاحتياط المركزي، نشر دراسة تقول إن الفارق بين ما سيمكن جمعه من مداخيل حكومية وما يجب على الحكومة إنفاقه، سيصل إلى أربعة وأربعين ألف بليون دولار. طبعا يمكن للحكومة تغيير الواقع إذا زادت الضرائب من جهة وخفضت النفقات على الصحة والمعاش أو الإنفاق الحربي من جهة أخرى. لكن زيادة الضرائب يجابهها في العادة انحدار الشعبية الرئاسية لجولة الانتخابات الثانية، والحد من النفقات الحربية يجابهها لوبي شركات السلاح وغيره من اللوبيات المستفيدة من بعض الحروب الخارجية، أما الحد من نفقات الخدمات الاجتماعية والصحية فسيؤدي إلى صعقة انتخابية قاتلة لمن يقدم عليها من الرؤساء أو مرشحي الرئاسة

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً