العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

الهيئة الانتخابية تكبح وصول الحزب الثالث إلى الرئاسة

يبدو نظام الترشح للرئاسة في أميركا، التي تعتمد نظام الحكم الرئاسي، عملية معقدة أو حتى فوضوية، ومنذ سبعينات القرن العشرين، حين بدأ الحزبان الديمقراطي والجمهوري في إدخال إصلاحات على القواعد التي تحكم عملية اختيار مرشح الرئاسة ونائبه، ما فتئت تمر بمرحلة من التغير والتطور يكون فيها المرشحون الأكثر نجاحا هم أولئك الذين يفهمون التعقيدات ويستطيعون المناورة. لم يرد نص في الدستور الأميركي يحدد إجراءات اختيار المرشحين للرئاسة بخلاف نظام الهيئة الانتخابية لانتخاب الرئيس. ذلك أن الأحزاب لم تكن ظهرت عند صوغ الدستور وإقراره في أواخر القرن الثامن عشر. فقد تشكلت بعد أن بدأت الحكومة عملها ونتيجة للسياسات التي اتبعها الرئيس الأول جورج واشنطن وهو من الحزب الفيدرالي. ومنذ العام 1796 بدأ أعضاء الكونغرس ممن كانوا ينتسبون إلى أي من الأحزاب آنذاك يلتقون بشكل غير رسمي لاختيار مرشحيهم لمنصبي الرئيس ونائبه. واستمر ذلك النظام، الذي عرف باسم «تجمع كينغ»، نظاما لاختيار مرشحي الحزب لنحو 30 عاما. ولكنه انهار العام 1824 إذ وقع ضحية اعتماد اللامركزية في الأحزاب التي رافقت توسع الولايات المتحدة غربا. وحلت مؤتمرات الترشيح القومية محل «تجمع كينغ». وفي العام 1831 اجتمع حزب ثانوي صغير وهو حزب مناهضي الماسونية في حانة في مدينة بلتيمور، بولاية ماريلاند، لاختيار مرشحيه واختيار برنامج انتخابي لخوض الانتخابات. وفي العام التالي اجتمع الديمقراطيون في الحانة نفسها لاختيار مرشحيهما. ومنذ ذلك الحين أصبحت الأحزاب الرئيسية ومعظم الاحزاب الصغيرة تعقد مؤتمرات ترشيح قومية، يحضرها مندوبون عن الولايات، لاختيار مرشحيها والاتفاق على مواقفها السياسية. شجعت التغييرات الرئيسية التي تبناها الديمقراطيون معظم الولايات على إجراء انتخابات تمهيدية يشارك فيها أنصار الحزب الواحد لاختيار مرشحيها للرئاسة. وبحسب قوانين الولاية، يمكن للناخبين الإدلاء بأصواتهم بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق التصويت لصالح المندوبين الذين يتعهدون بالتصويت لصالح المرشحين. والخيار الوحيد الآخر المتاح للولايات من خلال النظام الحالي هو عقد مؤتمرات حزبية ذات مراحل متعددة يمكن من خلالها لأنصار حزب ما الالتقاء واختيار المندوبين الذين يتعهدون بتأييد مرشحين معينين. ومن ثم يقوم هؤلاء المندوبون بتمثيل دوائرهم في مؤتمر للمقاطعة يتم فيه اختيار مندوبين إلى مؤتمر الولاية. ويختار المندوبون إلى مؤتمر الولاية مندوبين يمثلون الولاية في المؤتمر القومي. ومع أن هذا النظام يستغرق شهورا كثيرة، فإن اختيار المرشح المفضل يتم بشكل أساسي في الجولة الأولى من الاقتراع.

ظهور الأحزاب الأميركية

عندما وضع دستور الولايات المتحدة في العام ،1787 لم يتصور المؤسسون دورا للأحزاب في النظام الحكومي بل إنهم سعوا من خلال ترتيبات دستورية متنوعة، مثل فصل السلطات، والضوابط والتوازنات، والنظام الفيدرالي، والانتخاب غير المباشر للرئيس، إلى عزل الجمهورية الجديدة عن الأحزاب. إن تطور الأحزاب كان مرتبطا ارتباطا وثيقا باتساع حق الاقتراع عندما ألغيت مؤهلات الملكية باعتبارها مؤهلا للتصويت خلال مطلع القرن التاسع عشر. ومع اتساع جمهور الناخبين، تطلب الأمر وسيلة لتعبئة جموع الناخبين. وأصبحت الأحزاب ذات صفة مؤسساتية لإنجاز هذه المهمة الأساسية. وهكذا برزت الأحزاب جزءا من هذا التوسع للديمقراطية، ومع حلول ثلاثينات القرن التاسع عشر أصبحت هذه الأحزاب جزءا راسخا بصورة ثابتة من الحياة السياسية. وينتشر الحزبان الجمهوري ورمزه الفيل وهو حزب يميني، والديمقراطي ورمزه الحمار حاليا في جميع أجزاء العملية السياسية. ويعتبر نحو ثلثي الأميركيين أنفسهم إما جمهوريين أو ديمقراطيين، وحتى أولئك الذين يقولون إنهم مستقلون، عادة ما تكون لهم ميول حزبية ويظهرون مستويات مرتفعة من الولاء الحزبي. كما يصل تأثير انتشار النفوذ الحزبي إلى الحزب الحاكم. فالحزبان الرئيسيان يسيطران حاليا على رئاسة الجمهورية، والكونغرس، ومناصب حكام الولايات، والمجالس التشريعية التابعة إلى الولايات. وكان كل رئيس جمهورية منذ العام 1856 حتى الآن إما جمهوريا أو ديمقراطيا. وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بلغ معدل حصة الحزبين الرئيسيين من أصوات الأميركيين المشاركين في انتخاب رئيس الجمهورية 94,8 في المئة. وفي أعقاب انتخابات العام 2002 المحلية ولاختيار أعضاء الكونغرس، كان هناك سيناتور مستقل واحد بين المئة الذين يشكلون مجلس الشيوخ، ونائبان مستقلان فقط بين الأربعمئة وخمسة وثلاثين في مجلس النواب. أما على صعيد الولايات، فقد كان جميع الحكام الخمسين إما جمهوريين أو ديمقراطيين، ولم ينتخب سوى 21 عضوا في مجالس الولايات التشريعية من بين أكثر من 7300 مشرع ممن لم يكونوا منتمين إلى الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وهناك مسألة أخرى تتعلق بطبيعة المؤسسات وتشكل حافزا آخر يدفع باتجاه نظام الحزبين، وهي ما ينص عليه نظام الهيئة الانتخابية الخاصة باختيار رؤساء الجمهورية. فبموجب هذا النظام لا يدلي الأميركيون عمليا بأصواتهم لصالح لائحة من المرشحين للرئاسة. بل يقترعون في كل ولاية، بدل ذلك، لانتخاب لائحة من «الناخبين» الذين تعتبر أصواتهم مضمونة لمرشح أو آخر. ويتطلب انتخاب رئيس الجمهورية أكثرية مطلقة من مجموع الأصوات الانتخابية الـ 538 للولايات الخمسين. ويجعل هذا الشرط من الصعب جدا على أي حزب ثالث الوصول إلى رئاسة الجمهورية لأن الأصوات الانتخابية لكل من الولايات توزع على أساس ترتيب يكسب فيه الفائز جميع أصوات الولاية في الهيئة الانتخابية. وهذا يعني أن أي مرشح يحصل على غالبية الأصوات في الانتخابات الشعبية في تلك الولاية، حتى ولو كانت غالبية ضئيلة، يفوز بجميع أصوات تلك الولاية في الهيئة الانتخابية. وتعمل الهيئة الانتخابية بذلك، مثلها في ذلك مثل نظام العضو الواحد للدائرة الواحدة، لغير صالح الأحزاب الثالثة، التي تكاد لا تتمتع بأية فرصة للفوز بالأصوات المخصصة لأية ولاية في الدائرة الانتخابية، ناهيك عن الفوز بعدد كاف من الولايات لانتخاب رئيس منها. وبسيطرة الجمهوريين والديمقراطيين على الجهاز الحكومي، فليس مستغربا أن يكون هذان الحزبان قد وضعا قوانين انتخابية أخرى تعمل لصالحهما. إن مجرد وضع اسم حزب جديد على اللوائح الانتخابية في الولايات يمكن أن يكون عملية صعبة ومكلفة. وعلاوة على ذلك، فإن قانون الحملة الانتخابية الفيدرالي يمنح فوائد وخصوصا للأحزاب الرئيسية، بما في ذلك تمويل حكومي للحملات الرئاسية على مستوى أعلى بكثير مما هو متوافر للأحزاب الثانوية، حتى تلك التي حصلت على نسبة الخمسة في المئة من الأصوات في الانتخابات السابقة التي تؤهلها للحصول على ذلك التمويل. لقد ظل مرشحو الأحزاب الثالثة والمرشحون المستقلون ظاهرة تتكرر في فترات منتظمة في الساحة الأميركية، على رغم العقبات التي تمت مناقشتها سابقا. وغالبا ما كانوا يدفعون بمشكلات اجتماعية فشلت الأحزاب الرئيسية في مجابهتها إلى مقدمة الخطاب السياسي، وإلى جدول أعمال الحكومة. ولكن معظم الأحزاب الثالثة كانت تنتعش في انتخابات واحدة ثم تختفي، أو تتلاشى تدريجيا، أو يتم استيعابها من قبل أحد الحزبين الرئيسيين. ومنذ خمسينات القرن التاسع عشر، برز حزب واحد جديد فقط، هو الحزب الجمهوري، تمكن من تحقيق وضع الحزب الرئيسي. وفي تلك الحال، كانت هناك مسألة أخلاقية طاغية، هي العبودية، التي أحدثت انقساما في الأمة ما أوجد أساسا لظهور مرشحين ولتعبئة ناخبين لبناء حزب جديد. وهناك أدلة تثبت أنه يمكن أن يكون لهذه الأحزاب تأثير رئيسي على نتائج الانتخابات. فعلى سبيل المثال، قسم ترشيح ثيودور روزفلت من قبل حزب ثالث في العام 1912 أصوات الناخبين الذين يصوتون عادة للجمهوريين ومكن الديمقراطي وودرو ويلسون من الفوز من دون أن يحصل على أكثرية مجمل أصوات الناخبين. وفي العام ،1992 اجتذب ترشيح روس بيرو ناخبين كانوا في معظمهم يصوتون كجمهوريين في الثمانينات وبذلك ساهم في هزيمة الرئيس الجمهوري آنذاك جورج بوش. وفي انتخابات العام 2000 التي كانت نتائجها متقاربة جدا بين الجمهوري جورج بوش والديمقراطي آل غور، لربما كان غور فاز بأصوات ولاية فلوريدا وبالتالي أحرز غالبية الأصوات الضرورية للفوز بالرئاسة، لو لم يكن اسم مرشح حزب الخضر، رالف نادر، على بطاقة الاقتراع.

التدخل الأميركي في انتخابات البلدان الأخرى

السياسيون الأميركيون يحتفظون منذ زمن بحق تخصيص مبالغ طائلة للتأثير على الانتخابات في البلدان الأخرى ويفسدون الأنظمة الانتخابية في تلك البلدان. أما الوسائل التي يتم استخدامها لتحقيق ذلك فهي متنوعة. وامتد التدخل الأميركي في البلدان الأخرى من أميركا اللاتينية إلى الفلبين، لبنان واندونيسيا.

الهيئة الانتخابية

هي الاسم المعطى لمجموعة من «المنتخبين» الذين تم انتخابهم من قبل ناشطين سياسيين وأعضاء حزبيين داخل كل ولاية. وفي يوم الانتخاب فإن هؤلاء المنتخبين، الذين تعهدوا بتأييد مرشح أو آخر، ينتخبون شعبيا. وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول وعقب الاقتراع الرئاسي، يجتمع أعضاء الهيئة الانتخابية في عواصم ولاياتهم ويدلون بأصواتهم، باقتراع سري، لاختيار رئيس الجمهورية ونائب الرئيس. ولكي ينتخب رئيس الجمهورية، فإنه يحتاج إلى 270 صوتا من أصوات الهيئة الانتخابية. وفي التاريخ الحديث لم يحدث أن جاء تصويت أعضاء الهيئة الانتخابية مغايرا لنتيجة الانتخابات بالتصويت الشعبي. ولأسباب عدة، فإن اقتراع الهيئة الانتخابية، الذي يميل، لأسباب فنية، في صالح من يكسب الانتخاب الشعبي، يزيد الغالبية الظاهرة للمرشح الفائز ويضفي شرعية على الاختيار الشعبي. على أية حال، يظل هناك احتمال في سباق يقترب فيه المرشحون من بعضهم بعضا أو سباق بين أحزاب متعددة، بألا تعطي الهيئة الانتخابية 270 صوتا لصالح أي مرشح. وفي مثل هذه الحال فإن مجلس النواب سيختار رئيس الجمهورية المقبل. وكان تم تأسيس نظام الهيئة الانتخابية في البند الثاني، القسم الأول، من الدستور. وبينما يتعرض النظام لبعض الجدل في الآونة الأخيرة، فإنه ينظر إليه كذلك على أنه قوة مشيعة للاستقرار في النظام الانتخابي.

مناظرة

جدال علني بين جانبين متنافسين أو أكثر على قضية أو قضايا معينة. لقد أصبحت المناظرات السياسية في أميركا في السنوات الأخيرة عبارة عن لقاء تلفزيوني يطرح فيه كل الساعين إلى الترشح لمنصب رئيس أو نائب رئيس الجمهورية مواقفهم السياسية ردا على أسئلة توجه إليهم من قبل الصحافة أو جمهور من المواطنين. ويمكن إجراء المناظرات أيضا عبر الإذاعة أو في ندوات عامة، بين مرشحين لمناصب عامة على كل المستويات الحكومية.

الحكومة المقسمة

تعبير يشير عموما إلى وضع يكون فيه رئيس الجمهورية من حزب، بينما يسيطر الحزب الآخر على أحد مجلسي الكونغرس أو المجلسين معا. وتسري هذه الحال أيضا على مستوى الولايات، بمعنى أن يكون حاكم الولاية من حزب بينما يسيطر الحزب الآخر على المجلس التشريعي في الولاية. النظام السياسي الأميركي يشهد حالات كثيرة من الحكومات المقسمة. ومن الآثار التاريخية لهذا الوضع إعاقة أية تغييرات جذرية وحفز السياسيين من الحزبين على ابتغاء الحلول الوسط والتوصل إلى تسويات مرضية بصدد تشريعات مقترحة

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً