العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

حدود ضبابية في السياسات الخارجيـة والاقـتصادية تشوب الانتخابات الأميركية

خلاف بشأن كل شيء واتـفاق على تأييد «إسرائيل»

لطالما اعتبرت الانتخابات الرئاسية الأميركية مهمة، وتؤثر على الجميع في كل أنحاء العالم، ولكن انتخابات العام 2004 تشهد توترا غير عادي لأسباب عدة. وليفهم المرء ما هو موضع الخلاف، عليه أن يبدأ في إدراك بعض مميزاتها، فالحدود ضبابية بين مرشحي الرئاسة في السياسة الخارجية وفي السياسات الاقتصادية، بيد أنها واضحة في مجال واحد وهو الاجتماعي. مرشحا هذا العام هما الجمهوري جورج بوش والديمقراطي جون كيري، يتشابه الاثنان في الحرفين الأولين فقط، إلا أنهما مختلفان. فالمرشح الديمقراطي يأمل أن يكون ثاني سيناتور من ولاية ماساتشوسيتس يصل إلى البيت الأبيض، مثل الرئيس الأميركي السابق جون كنيدي. هو متحرر فيما يخص القضايا الداخلية وأكثر تحفظا فيما يخص السياسات الخارجية. تكمن قوته بالأساس في أن الديمقراطيين ينظرون له على أنه منافس له صدقية أمام بوش. ويعزز موقف كيري سجله كمحارب في فيتنام، وذلك في مقابل بوش الذي انضم إلى حرس تكساس الجوي القومي. وتعد هذه المعلومة مهمة جدا في صف المرشح الديمقراطي في حملته الانتخابية التي تأتي في وقت تتصدر فيه قضايا الأمن القومي قائمة الاولويات الأميركية. أما بالنسبة إلى القضايا الاجتماعية فنستطيع أن نصف كيري بالليبرالية، ويعد من المدافعين عن البيئة، كما يؤيد الإجهاض وتبني مزيد من الإجراءات لتحسين الرعاية الصحية، ويساند النقابات المدنية للمثليين. وعائلته تعكس طبيعة المجتمع الأميركي المتعدد العرقيات، إذ تعود أسرته إلى رجل دين إنجليزي، أما جدته فهي من عائلة ايرلندية عريقة. كما أن له جذور يهودية ولم يكشف عنها إلا أخيرا. كيري ينتمي إلى عائلة غنية، تعلم في مدرسة داخلية في سويسرا ومنها إلى جامعة ييل التي درس فيها القانون. أما بالنسبة إلى المرشح الجمهوري فإن غاية طموحه الآن هو إعادة انتخابه، والتي ستثبت وضعه كزعيم وتمكنه من أن يتجاوز صورة أبيه، الذي لحقت به الهزيمة بعد ولايته الأولى، إذ لم يعد انتخابه بعد أن أحرز الانتصار هو الآخر على صدام حسين. في العامين 2001 و2002 تجاوب بوش مع أزمة 11 سبتمبر/أيلول بإعلان «الحرب على الإرهاب» والإطاحة بـ «طالبان» والخروج بمبدأ جديد للتدخل العسكري. وفي العام 2003 أقدم على خطوة أكبر، إذ قام بغزو العراق. وفيما يتعلق بالسياسات الداخلية فقد خفض بوش في العام 2003 الضرائب على رغم ازدياد عجز الموازنة. كما اقترح خطة لإرسال أول رجل أو امرأة للفضاء وهو ما ينظر إليه أنصاره على أنه سياسة طموحه. أكسب رئاسته شيئا من الحماسة الدينية التي دفعته إلى تأكيد إيمانه الشخصي في المسيحية. ترعرع في أسرة ناجحة، ودرس في ييل أيضا. نجح في التجارة والأعمال، لكنه أصغى إلى نصيحة زوجته واتجه إلى العمل بالسياسة، وفي نهاية المطاف انتقل من مقعد حاكم تكساس إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض.

السياسة الخارجية في برامج الرئاسة

توفر المواقف السياسية المعلنة المعروفة بالبرنامج الحزبي السياسي، والتي تم إعلانها في مؤتمري الحزبين، دليلا مرشدا إلى القضايا التي سيستخدمها المرشحان لكسب أصوات. إذ كرس البرنامجان قدرا كبيرا من الاهتمام للشئون الخارجية. وكما هو متوقع، أكد الحزبان على الشرق الأوسط وجنوب آسيا. أبرز برنامج الجمهوريين، الذي حمل عنوان «عالم أكثر أمانا وأميركا أكثر أملا»، في مقدمته ما اعتبره سياسة خارجية أميركية ناجحة، معلنا أنه «بفضل قيادة الرئيس ومهارة القوات المسلحة والتزام حلفائنا، هناك اليوم أكثر من خمسين مليون شخص تحرروا أخيرا في دولتي أفغانستان والعراق وأصبحت أميركا أكثر أمانا». وعلى العكس من ذلك، أكد البرنامج الديمقراطي تحت عنوان «أقوياء في الوطن، محترمون في الخارج» في مقدمته أنه في حين أن «حياة مجندينا ومجنداتنا مازالت معرضة للخطر في العراق وأفغانستان وفي الحرب على الإرهاب»، فإن «تحالفات هذا البلد مهترئة، وصدقيتنا مشكوك فيها». إلى ذلك، يقول الجمهوريون إن إجراءات حكومة بوش تثبت أننا «لن نسمح لأخطر الأنظمة في العالم بامتلاك أخطر الأسلحة في العالم». ويتعهد الجمهوريون بمواصلة الجهود الرامية إلى تحقيق «القضاء على الإرهاب بشكل تام وكامل». كما يتعهدون بأن «سنبسط رقعة السلام من خلال دعم بزوغ الديمقراطية، والأمل والتقدم كبديل للكراهية والإرهاب في الشرق الأوسط الكبير». وأضافوا أن «بلدنا سيثابر على القيام بمهمتنا في العراق وأفغانستان»، ويعلن «الثقة التامة في الخطة الخاصة بحكم العراق نفسه بنفسه التي تعكف الحكومة العراقية الانتقالية على تطبيقها حاليا». ويؤيد البرنامج التزام بوش بـ «أمن حليف أميركا «إسرائيل» وسلامة شعبه»، مضيفا أنه يتعين أن تحافظ «إسرائيل» على «تفوق نوعي في التكنولوجيا الدفاعية على أي أعداء محتملين». ويعتبر البرنامج خطة «إسرائيل» لإزالة جميع مستوطناتها من غزة وعدد من المستوطنات من الضفة الغربية «خطوة شجاعة نحو السلام في وجه العنف الإرهابي المستمر». كما يؤيد الدعوة إلى قيادة فلسطينية جديدة «لم يلطخها الإرهاب». أما الديمقراطيون فيبدون مختلفين، فبرنامجهم يجادل بأن حكومة بوش تخلت عن قرن من القيادة الأميركية في العالم «لاعتناق عدم اكتراث جديد، وغير فعال بشكل خطر، إزاء العالم». ويقول إن «هذه الحكومة تخلط بين القيادة والتصرف الانفرادي وبين التعاطي والتنازل عن المبادئ». ويتعهد البرنامج بأن كيري سيعمل على إعادة بناء التحالفات الأميركية والاحترام الدولي. ويقول البرنامج «إن الانتصار في الحرب على الإرهاب يتطلب مزيجا من العزيمة الأميركية والتعاون الدولي على جميع الجبهات»، إذ هاجم «الاندفاع إلى الحرب» في العراق من دون «خطة لكسب السلام»، ويدعو إلى جهد متعدد الأطراف لإحلال الاستقرار والأمن في العراق كي لا يبقى «تربة خصبة لتوليد الإرهاب والتعصب». ويقترح جهد تدريب ضخما لتعزيز قوات الأمن العراقي. كما يتهم حكومة بوش بعدم الوفاء بوعودها الخاصة بإعادة بناء أفغانستان، داعيا إلى «مبادرة رئيسية لدعم أصوات الحرية في العالمين العربي والإسلامي». وأعلن الديمقراطيون مثل الجمهوريين، التزاما لا يتزعزع بأمن «إسرائيل» وتأييد القدس كعاصمة لها. كما أنهم يدعون أيضا إلى تشجيع «قيادة جديدة مسئولة» في فلسطين، تقود دولتها و»تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع «إسرائيل»». وبالنسبة إلى إيران ومن دون مقدمات أصبحت أحد القضايا المطروحة في الانتخابات. فبينما يرغب بوش في أن يصدر مجلس الأمن قرارا يعاقب طهران على سعيها لتطوير برنامجها النووي، يبدي كيري استعداده لعقد صفقة معها. ولكن ستبقى إدارة كيري، في حال فوزه بالانتخابات، معارضة لحصول إيران على أسلحة نووية مثل إدارة بوش تماما، لكن الإدارتين تختلفان في طريقة التعامل معها، إذ عرض نائب المرشح الديمقراطي جون ادواردز ما وصفه «بصفقة رائعة» على إيران، إذ تحتفظ طهران بمحطات الطاقة النووية لديها ولكنها تتخلى عن الوقود النووي. وبهذا تتمكن واشنطن من البقاء جبهة متحدة مع حلفائها الأوروبيين.

الرؤى الاقتصادية المتباينة

على رغم سخونة الحملات الانتخابية الأميركية وتركيزها على الوضع في العراق تبدو القضايا المحلية وفي مقدمتها الديون والإفلاس والرعاية الصحية والتخفيضات الضريبية حجر الزاوية. ويرى خبراء استراتيجيون واقتصاديون أن نحو 45 مليون أميركي سيحددون مواقفهم خلال الانتخابات المقبلة بناء على تقييمهم لمستوى الرعاية الصحية والوضع الاقتصادي الداخلي. وفي محاولة لتقوية الأرضية التي يقف عليها هاجم المرشح الديمقراطي مستوى الرعاية الصحية المتدهور متعهدا في الوقت نفسه بتوسيع دائرة المستفيدين من الرعاية الصحية وتدعيمها. ويرى المحلل الاقتصادي جوستن ماكينوش أن خطة كيري للرعاية الصحية تنطوي على تحسين مستواها ولكنها في الوقت نفسه ستكبد المستفيدين مبالغ طائلة على رغم حرصه على زيادة عدد المستفيدين منها، مضيفا أن الرعاية المتدهورة تمثل حجر عثرة أمام مساعي بوش لتجديد فترة رئاسته، إذ ينبغي تطويرها وإتاحتها لقطاع عريض من الأميركيين بأسعار مناسبة. أما بالنسبة إلى التأمين الصحي فتركز خطة الديمقراطي على الاستفادة من الضرائب المفروضة على الأشخاص الذين يزيد متوسط دخلهم على 200 ألف دولار سنويا وزيادة أعداد المستفيدين من التأمين الصحي. فيما تستهدف خطة الجمهوري توسيع معدل تغطية التأمين الصحي لتشمل أيضا نحو 11 - 17 مليون أميركي بكلفة تتراوح ما بين 100 و150 مليار دولار. يضاف إلى ذلك فإن بوش يركز في حملته على قدرته على خفض معدلات من خلال زيادة المعروض من الوظائف خلال الأشهر القليلة المقبلة. وفي السياق ذاته، يركز الديمقراطيون في دعايتهم الانتخابية على أن بوش فقد صدقيته وأن أداءه الاقتصادي والسياسي لا يرقى إلى الأداء المتميز لنحو 11 رئيسا أميركيا والذين حققوا إنجازات اقتصادية ملموسة إبان أوقات الحروب. وركزت تكتيكات كيري على أن التراجع الذي يشهده الاقتصاد الأميركي حاليا هو الأسوأ خلال السنوات الاثنتين والسبعين الماضية. كما اتخذ من تزايد معدلات المديونية والإفلاس سلاحا لمهاجمة خطط الرئيس بوش الاقتصادية.

«المناظرات» بوابة إلى الكرسي

تلعب المناظرات الانتخابية بين المرشحين للرئاسة دورا بارزا في ترجيح كفة مرشح على آخر. ولأهميتها في قلب الموازين الانتخابية وتعديل وجهة نظر الناخبين يكون الاستعداد لها في وقت مبكر ويكون ذلك بالاستعانة بخبراء ومستشارين على درجة عالية من الكفاءة، وبات المرشح الناجح هو الذي يتمكن من كسب جولات المناظرات الانتخابية الجولة بعد الأخرى ليصل إلى كرسي الرئاسة. فمن شاهد المناظرات الرئاسية الثلاث التي جرت بين جورج بوش وجون كيري يشعر بأنه أمام مرشحين مختلفين تماما من حيث الشخصية والسياسة. فبوش الرجل المتحمس، المتحفظ، ذو النزعة الانفرادية في سياسته الخارجية، يواجه كيري الأكثر هدوءا، ذي النزعات الليبرالية الواضحة والذي يعتقد بسياسة خارجية جماعية مع كل دول العالم. وجاءت نتيجة هذه المناظرات في صالح المتحدي أكثر من مصلحة الرئيس الحالي، إذ دخل المرشح الديمقراطي هذه المناظرات وهو متخلف في استطلاعات الرأي، وبدا وكأنه سيخسر انتخابات الرئاسة، أما الآن فقد حمى وطيس المنافسة. خلال المناظرات هاجم كيري بضراوة سجل إدارة بوش في موضوعات السياسات الداخلية كافة بما فيها الاقتصاد، والصحة، والتعليم. لكن بوش هاجم كيري بشكل قوي واستعمل الفكرة نفسها التي حاول طوال شهور الحملة أن يثبتها وهي أن يجعل هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شخصية كيري. إذ هاجم سجل المرشح الديمقراطي في مجلس الشيوخ ووجه اتهاما هو الأقوى وربما الأكثر تأثيرا ألا وهو أن كيري من النوع الذي يفرض الضرائب لكي ينفقها مرة أخرى. كما اتهم بوش منافسه بأنه ابتعد عن الخط العام للسياسة الأميركية ومال نحو اليسار في أفكاره. ولكن كيري حاول في حملته أن يظهر للناخبين أنه حان الوقت للتغيير، إلا أنه كان حريصا جدا على محاولة الوصول إلى كل الجماعات التي يعتقد أنه يحتاجها للفوز. فقد ذكر كيري كل من الأميركيين من أصل إفريقي والجماعات النسوية، وهما من أهم المجموعات الانتخابية بل إنه ذكر حتى السكان الأصليين. بينما وجه الرئيس الأميركي جهوده الانتخابية إلى الجمهوريين الذين لديهم اعتراضات قوية ضد موضوعات الإجهاض وزواج المثليين، إلا أنه كان حذرا في كلماته حتى لا يخسر أصوات الناخبين الذي لم يحددوا مواقفهم بعد.

اشتباكات تشيني وإدواردز

في موازاة تقدم طفيف للرئيس الأميركي على منافسه اشتبك نائباهما الجمهوري ديك تشيني والديمقراطي جون إدواردز خلال مناظرة بشأن العراق والاقتصاد لكنهما اتفقا تماما على الانحياز لـ «إسرائيل» والالتفاف حول شعار «حقها في الدفاع عن النفس». وعلى مدار تسعين دقيقة، تبادل تشيني وإدواردز خلال مناظرة في كليفلاند بولاية أوهايو انتقادات لاذعة تركز معظمها على ملف حرب العراق الذي حظي بالسؤال الأول في المناظرة، إذ دافع تشيني عن سياسة بوش في التعامل مع العراق متهما الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بدعم الإرهاب الدولي وبأن له علاقة مع تنظيم «القاعدة». غير أن إدواردز رفض هذه التبريرات وقال «سيدي نائب الرئيس أنت مازلت لا تتحدث بصراحة للشعب الأميركي». وأضاف ادواردز موجها حديثه لتشيني، «ما أعنيه هو أنك وبوش تواصلان القول للأميركيين إن الأمور تمضي على ما يرام، غير أن الشعب الأميركي لا يريد منا أن نشرح له، الأميركيون يتابعون الحقيقة عبر التلفزيون يوميا». وركز إدواردز على تحمل القوات الأميركية تسعين في المئة من الخسائر البشرية في العراق وتحمل الموازنة الأميركية قرابة مئتي مليار دولار للإنفاق على الحرب. كما وجه اتهاما صريحا لتشيني بالربط - كذبا - بين العراق وبين هجمات 11 سبتمبر. الخلافات والاشتباكات بين الاثنين لم تفسد للود قضية، إذ اتفقا على عدم وجود شريك محاور على الجانب الفلسطيني للدخول في مفاوضات. وقال إدواردز: الإسرائيليون «لا يجدون شريك سلام. المؤكد أنهم لا يرونه في عرفات». وقال «يحق للشعب الإسرائيلي أن يدافع عن نفسه بل يجب أن يدافع عن نفسه».

مسلمو أميركا

مرة أخرى يحل موعد الانتخابات الأميركية. ويقف المسلمون الأميركيون، كباقي المواطنين، ليواجهوا اختيارات عدة بخصوص المرشحين للرئاسة وكذلك بخصوص القضايا على المستوى القومي بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي في أميركا. فثمة أمور وسياسات معينة تحتل أهمية كبرى لدى هذا المجتمع، منها: الهجرة، والسياسة الخارجية، ودور الدين في الشئون الحكومية وأخيرا التعليم. تكمن المشكلة الحقيقية في هذا المجتمع في أن هؤلاء المسلمين - عند ذهابهم إلى صناديق الاقتراع - لا يجدون الاختيارات المدروسة المناسبة لتلك الأمور. وقد يصبح ذلك صعبا خصوصا عندما توجد محاولات للتأليف بين الأهداف الشخصية والجماعية بحلول ومبادرات معينة، يتبناها ممثلو أكبر الحزبين الديمقراطي والجمهوري. يجد المسلمون في أميركا - أكثر من أية جماعة أخرى في الولايات المتحدة سواء أثنية أو دينية - صعوبة في التصويت لصالح اختياراتهم؛ سواء على القضايا القومية أو على هؤلاء المرشحين الذين يتبنون السياسات والحلول التي يفضلونها. المعضلة الكبرى الكامنة في قلب هذه الاختيارات تتمثل في أنه في معظم الأوقات غالبا ما يحدث أن يتبنى مرشح - رئاسي أو نيابي - سياسة معينة تبدو مرغوبة للمسلمين «مثل تقييد المعونات إلى إسرائيل» وفي الوقت نفسه يقوم هذا المرشح بتبني سياسة أخرى غير مرغوبة من جمهور المسلمين هناك «مثل تقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة». إذا ألقينا نظرة مجملة على السمات التقليدية للأيديولوجية السياسية للحزبين، فسنشعر على الفور بحجم المعضلة التي تواجه الناخب المسلم في التصويت. لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن المسلمين يميلون إلى تأييد كيري كون بوش داس على حقوقهم.

الفلسطينيون يلتزمون الحياد

تلزم القيادة الفلسطينية الصمت إزاء الانتخابات الأميركية، لكنها استنادا إلى مسئولين ومراقبين، تعول على التدخل والضغط الدوليين لإنصافها أمام سيد البيت الأبيض المقبل سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا. وعلى رغم الدور المحوري للولايات المتحدة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لم تشأ القيادة الفلسطينية أن تصدر تعليقا واحدا يمكن أن يحمل موقفا عن سير الانتخابات. وقال مسئول رفيع مقرب من الرئيس عرفات «ليس من مصلحة القيادة الفلسطينية الدخول في نقاش أفضليات بشأن مرشح الرئاسة وهي لن تفصح عن ذلك على الإطلاق». وأضاف «ثمة تياران رئيسيان يتنازعان الرؤية الفلسطينية إزاء الانتخابات، أولهما أن العالم سيتحرك باتجاه الضغط على الإدارة الأميركية المقبلة، أيا كان انتماؤها، للتحول عن المواقف الحالية»، موضحا أنه «مقابل هذا الرأي، هناك مدرسة تعتقد أن إعادة انتخاب بوش لن تعني بالضرورة استمرار سياسته الحالية إزاء القيادة الفلسطينية، بل أن تجربته السابقة معها ستدفعه إلى تغيير اتجاهاته نحوها». ومن جانبه قال رئيس تحرير صحيفة «الحياة الجديدة» حافظ البرغوثي إن «الفلسطينيين لم يجدوا أية كلمة تشجيع من الجانبين الأميركيين اللذين يمتدحان معا شارون وخطته».

«إسرائيل» الفائز الوحيد

أيا كان الفائز في الانتخابات المقبلة فإن «إسرائيل» يمكن أن تنام قريرة العين بتواصل الدعم اللامحدود من واشنطن. ولكن بينما يرى معادو السامية والفلسطينيون أن ثمة يدا خفية «للوبي يهودي» في كل شيء يحدث في أميركا، فإن واقع الأمر هو أن الرؤساء الأميركيين لديهم دوافع مختلفة تماما في تحالفهم القوي مع «إسرائيل». ولا يوجد تأثير كبير للناخبين اليهود وعددهم ستة ملايين على الانتخابات. فولايات نيويورك وكاليفورنيا وماساتشوستس التي توجد بها أعداد كبيرة من اليهود هي معاقل للديمقراطيين منذ زمن بعيد. وأقصى ما يمكن للناخبين اليهود عمله هو قلب الموازين في مناطق تشهد معارك انتخابية ساخنة مثل ولاية فلوريدا لكنه أمر يمكن لأية مجموعة أقلية عرقية أخرى أن تفعله. واليهود كمجموعة عرقية لهم تأثير أكبر بكثير في عالم المال وصناعة السينما وفي وسائل الإعلام وفي مجال العلوم والكثير من المهن الأكاديمية. لكن حتى في هذه المجالات فإن اليهود لا يشكلون مجموعة متجانسة ويتبنون آراء سياسية شديدة التباين. أما عن الاتجاهات الانتخابية لليهود، فإنهم يميلون عادة للتصويت لصالح الديمقراطيين، لكن ثمة انقساما في صفوفهم هذا العام، إذ ينظرون إلى بوش نظرة احتقار وشك على رغم مساندته لـ «إسرائيل». ويعتبر مفكرون يهود من أمثال المخرج السينمائي وودي آلان والكاتب فيليب روث رئاسة بوش «كارثة سياسية» وحتى المليارديرات ورجال المال ينفقون ملايين الدولارات لضمان خروجه من البيت الأبيض. ولكن على رغم المشاعر القوية ضده، فقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بوش بأنه أفضل صديق للبلاد في البيت الأبيض. ويمكن لشارون أن يعول على مساندة بوش حتى عند اتخاذ قرارات أحادية الجانب. وينبع ذلك من تأثير من يسمون «المحافظون الجدد»، إذ ترك المحافظون الجدد بصمتهم على «عقيدة بوش» للحرب الوقائية ولشن حملة ضد الإرهابيين والمتطرفين وأعداء أميركا. ولكن المراقبين يرون أن «إسرائيل» لن تخسر في سباق الرئاسة كونها ضمنت من المرشحين ما تصبو إليه، فبوش وكيري اتفقا على أمنها وحقها في إقامة دولتها.

ماكينات التصويت

ستكون انتخابات الرئاسة تاريخية بحق، إذ سيشارك فيها مراقبون من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي - اشتهرت بمراقبة الانتخابات في الدول التي يحدث فيها تلاعب بأصوات الناخبين - وطبعا كانت هناك اعتراضات على اشتراك مراقبين أجانب في مراقبة الانتخابات في دولة ترى أنها منارة الديمقراطية. لكن الشكوك التي أحاطت بطريقة إحصاء الأصوات في ولاية فلوريدا خلال انتخابات العام 2000 وما تلاه من اهتزاز الثقة في سلامة نظام الانتخاب ما ولد مناخا من «القلق والشك وعدم الثقة» على حد قول أحد المراقبين. وكان آخر تلك الجوانب، المصابون بمرض الزهايمر، وثارت أسئلة بشأن من سيقوم بالتصويت للمواطنين المصابين به. لذلك سيتم استبدال النظام القديم بنظام جديد يتم خلاله التصويت عن طريق شاشة الكترونية تعمل باللمس. وسيستخدمها نحو 50 مليون شخص، وستصدر هذه الشاشة النتيجة فورا. أما ولاية نيفادا فستكون الوحيدة بين الولايات التي سيتم فيها استخدام الأوراق. في حين سيتم استخدام ماكينات ثقب الورق في عدد من المقاطعات في 26 ولاية مختلفة ولكن بحسب قانون العام .2002 وفي ولاية اوريغون سيجرى التصويت فيها عن طريق البريد. ولكن على رغم الخلافات بين المؤيدين والمعارضين لأنظمة التصويت القديمة والحديثة، فإن هناك شيئا اتفق عليه الجميع. إذ يجمع الطرفان على أنه بعد الحوادث التي شهدتها الانتخابات الماضية يوجد تحفز واستعداد من الجانبين لخوض معركة قضائية ربما تحدث.

استغلال هوليوود ونساء بوش

في اليوم الثاني لمؤتمرهم الوطني في نيويورك، سعى الجمهوريون إلى إضافة لمسة «نجومية» وتقديم صورة عائلية عاطفية إلى الناخبين دعما لحملة بوش. وهكذا لمع نجم الممثل السابق ارنولد شوارزينيغر، حاكم كاليفورنيا الحالي الذي أعاد إلى الأذهان صرخة «سأعود» التي استشهد بها في أحد أفلامه. وتحدث أمام المؤتمر أيضا «نساء بوش» وهن زوجته لوار وابنتاه التوأم، اللواتي أخذن يمتدحن الخصال الحميدة للرئيس رب العائلة. في مقابل ذلك جرت قبل وخلال انعقاد المؤتمر الجمهوري مظاهرات كبرى ضد بوش عبر نيويورك، شارك فيها مئات آلاف الأشخاص من بينهم القس جسي جاكسون والمخرج السينمائي مايكل مور، إذ قاد الاثنان تظاهرات منددة بسياسة بوش وخصوصا بعد حوادث 11 سبتمبر.

2004 الأعلى في تاريخ الانتخابات

على رغم القوانين التي تحد من تأثير الأموال الطائلة والثروات في سير حملة انتخابات الرئاسة، إلا أن كلفة حملات الانتخابات الرئاسية لهذا العام تجاوزت المليار دولار، لتكون الأكبر كلفة حتى الآن في تاريخ الانتخابات. وطبقا للسجلات والملفات فإنه من المتوقع بحلول 2 نوفمبر المقبل أن يتجاوز ما تم انفاقه في إطار هذه الحملات مليارا وثلاثمئة مليون دولار وهو ما يزيد كثيرا على كلفة الانتخابات الرئاسية السابقة للعام 2000 التي بلغت 975 مليون دولار منها 495 مليونا سميت الأموال «الناعمة والرقيقة» وهي الآن محظورة وغير قانونية.

هوة استطلاعات الرأي

أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة قبل أسابيع من الانتخابات أن الرئيس بوش استعاد تقدمه على منافسه كيري بعدما حصل على 48 في المئة من نوايا الأصوات مقابل 40 في المئة. إذ كان الاستطلاع السابق أشار إلى تعادل المرشحين مع حصول كل منهما على 46 في المئة. وأشار خبراء استطلاعات الرأي إلى أن تقدم الرئيس الجمهوري مجددا مرتبط بالفكرة الراسخة لدى الناخبين بشأن ضعف كيري لا سيما فيما يتعلق بقدراته القيادية أكثر مما هو مرتبط بتحسن الآراء في بوش. لكن مع هذا فإن الاستطلاعات السابقة أوضحت أن نسبة الناخبين الذين يثقون ببوش لإدارة الوضع في العراق تراجعت إلى 46 في المئة مقابل 52 في المئة في استطلاعات أخرى. ولا يعود ذلك بالفائدة على كيري لأنه لا يحظى بثقة أكثر من 38 في المئة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم بشأن هذه المسألة

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً