جميل ان تكون للانسان محطة استراحة من بعد عناء السفر يتنفس فيها الصعداء... والأجمل ان تكون هذه الاستراحة مهيأة بعوامل الرخاء النفسي التي تريح الأعصاب وتهدئ نبضات القلب المتعب. هكذا هي ليالي القدر، وهكذا أراد الله لها ان تكون.
«خير من ألف شهر»... هذه القيمة العظيمة التي أعطيت لهذه الليلة كم تساوي بحساب السنين يا ترى؟ انها تعادل ما يقارب 83 عاماً و 4 أشهر من عمر الزمن! يالها من معادلة صعبة؟ عمل الانسان في مجرد ليلة واحدة يساوي عمل ذلك الكم الهائل من عدد السنين والحساب! لماذا هذه العروض المغرية؟ هل لأن الله - تعالى شأنه وحاشاه - يريد ان يروّج بضاعته، لحاجته الى الناس؟!
موسم التخفيضات... مِن أجل مَنْ؟
غريب ان يتجاهل الانسان هذه الفرص الكبيرة وهذه المنح الربانية في موسم «التخفيضات» الرمضاني، في الوقت الذي يتهافت فيه على العروض المادية التي تعلن هنا او هناك في الاسواق اليومية ركضاً خلف السلع التي لا تسد الا رمق الدنيا بينما لا تعطيه شيئا على طريق الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون...
تلك العروض الدنيوية لو فكرنا ليست اكثر اغراء من عروض الله لنا في شهر رمضان عموما وفي ليلة القدر خصوصاً. فعندما يعلن الله فتح ابواب الرحمة في ليلة القدر ويتيح لنا الفرصة من اجل الدخول في باب التوبة والاستغفار من الذنوب التي سودت صحائفنا على مدار العمر ليس لمصلحة خاصة به، فهو جل وعلا غير محتاج الى الخلق ولا مصلحة له من تلك الدعوة سوى الرحمة بعباده الغافلين وعطفه على الناس، سعياً لانقاذهم من لهب جهنم التي لا يدرك حرها العباد ما داموا منغمسين في ملذات الدنيا... على عكس ذلك التاجر الذي لم يقدم عرضه على بضاعته الا من اجل مصلحته اولاً قبل مصلحة المستهلك.
حقاً انه موسم «تخفيضات»... ولكن من يشعر بذلك؟ مميزات خاصة لمن اراد عبور طريق الحياة بسلام وأمن، ليس عليه سوى ان يجري عملية غسيل روحي من ادران الذنوب في هذه المحطة التي خصصها الله. ويسارع الى مغفرة من ربه وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
حتى الذات تحتاج إلى جرد سنوي!
«وما أدراك ما ليلة القدر؟»، تلك القدسية والعظمة التي لا يدانيها شيء... وذلك الجزاء المعد الى التائبين الذي لا يحصى... وإلا لماذا «تتنزل الملائكة والروح فيها»؟ اليس لما تحمله من كرامة الخالق ورأفته بالمخلوقين؟
كما ان لكل مسابقة شروط، كذلك هذه المسابقة الالهية لها شروطها...
- لابد لهذه الليلة الا تكون عابرة في عمر الانسان.
- لابد ان يصفي فيها المرء خلافاته مع الآخرين.
- تصح العبادة فيها كلما خلصت النية لوجه الله تعالى.
- لا يُقبل فيها الدعاء على المؤمنين.
- ان تعقد النية على التوبة الحقيقية وعدم الرجوع.
- يجب ان تكون فيها خلوة مع النفس للمحاسبة.
- ان تُحيا بالذكر وعمل المستحبات المأثورة.
- واخيراً ان يخصص فيها العبد جلسة تصفية حسابات شاملة مع خالقه.
تلك هي اهم الشروط للدخول في السحب والفوز بجائزة القبول، ليشملنا الله مع المغفور لهم في هذه الليلة الشريفة. فماذا عسانا فاعلون؟
أعمى 25 عاماً...
ويُبصر ببركات ليلة القدر!
قرأت في إحدى المجلات قبل فترة وجيزة قصة واقعية حدثت اخيراً في محافظة الدقهلية بمصر، ربما قرأها الكثيرون. وهي قصة مفصلة بالصور والأدلة واللقاءات، تمثل بركات ليلة القدر وفضلها العظيم الذي يعم من اخلصوا السريرة للرب الكريم.
انها قصة الحاج عبدالحفيظ الذي أصيب بالعمى نتيجة انفصال في الشبكية قبل اكثر من 25 عاماً. وأجريت له عمليتان على ايدي اكثر الاطباء خبرة ودراية في طب العيون، ولكنهم في نهاية الامر عجزوا عن علاجه، وقالوا له «ان احتمال استرداد بصره قائماً ولكن في شكل تدريجي خلال عامين. لكن بعد مرور هذه المدة اصبح الأمل مستحيلاً في شفائه».
بعد (25) عاماً من اصابته بالعمى، وتحديداً في ليلة القدر المباركة، وبعد تناوله السحور، يقول: «غفوت قليلاً... ولكنني شعرت بأني أسبح في فضاء مليء بالنور، وعندما فتحت عيني وجدتني اشاهد بعض الاشياء... ثم اخذت الرؤية تتضح اكثر فأبصرت كل ما في الحجرة! فلم املك نفسي ووجدتني اهتف (الله اكبر) واردد كلمتي الشهادة، فاجتمع الاهل من حولي مسرورين وملأوا المنزل بالزغاريد والبكاء. واسرعت الى الوضوء وذهبت الى المسجد بمفردي للمرة الاولى منذ 25 عاماً»!
هذه الحادثة سردتها مثالاً وليس تدليلاً على كرامة وفضل ليلةٍ هي عند الله افضل الليالي. والا فإن كراماتها مشهودة للعيان، ولكن ينبغي للانسان ان يعلق فيها امله بالله عز وجل وان يقصد باب الرحمة بحاجاته ومطالبه، وما اكثر حاجاتنا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الابتلاءات والكروب. تقبل الله طاعاتكم، وجعلها افضل ليلة قدر تمر عليكم... آمين
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ