محمد عبدالرؤوف قدوة الحسيني، أو المعروف بياسر عرفات، مسجى على سرير خارجي، في مستشفى خارجي، يقلب بأيدٍ خارجية، غير الأيدي التي كانت تذب عنه الموت من الخارجيين الذين اجتاحوا كما الجراد بلاده، وصار بعدها خارجياً... ولد في الخارج، في القاهرة، عاش أكثر حياته في الخارج، وقاد من الخارج فكراً للثورة وإنشاء منظمة تحرير. في الخارج، كافح عرفات، خاض سواد أيلول في الأردن، وشارك في حرب بيروت الأهلية حتى قيل ان الفلسطينيين من أشعلها، درّب «أمل» على السلاح، فكافأت شعبه بحرب التجويع وقصف للمخيمات لم تقصف به «إسرائيل»، نزح إلى بيروت فتبعه شارون إلى هناك، ألقى على البناية التي لجأ إليها قنبلة فراغية ولكن البناية كانت فارغة منه. كان خارجياً في لبنان، كان خارجياً في تونس، أعلن دولة فلسطين في الخارج في العام 1988، أعطي «شقفة» أرض من تراب بلاده ليكوّن عليها حلم الدولة، ومع ذلك، يتهدده رؤساء الحكومة الإسرائيليون المتعاقبون بأن ينفوه إلى الخارج مع أي انعطافة. في الداخل أخطأ عرفات كثيراً، وأخطأ أكثر عندما كان في الخارج، وفي كل مرة يتردد السؤال العالمي «هل من وجه آخر غير عرفات؟»، فيرنّ صوت الصمت، ألا رمز للشعب الفلسطيني سوى «الختيار؟»... وألا وجه لدى الفلسطينيين (الغاضبون منه والراضين عليه) إلاه، لم يعرفوا للثورة أباً غيره، نجا من عشرات محاولات الاغتيال، نجا من حروب عسكرية وسياسية، ونجا من طائرة سقطت به في صحراء ليبيا، ولكن إلى أين المفر؟
الخارجيُّ اليوم، يريد أن يكون في الداخل، في القدس الذي طالما حلم أن يرى زهرة من زهرات بلاده ترفع علم فلسطين على أسوارها، ولكن يأبى شارون إلا أن يمضي عرفات خارجياً إلى الأبد.
«يا سيد الجمرهْ، يا سيد الشعلهْ، ما أوسع الثورهْ، ما أضيق الرحلهْ، ما أكبر الفكرهْ... ما أصغر الدولهْ»
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ