إعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاية ثانية بات في الحسابات السياسية من الأمور الواقعية. فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء وما حصل كان بالامكان تجنبه، ولكن بعد وقوعه لم يعد بالامكان تجاهله.
التجاهل ليس سياسة وإنما محاولة لدفن الرأس في رمال متحركة. العقلانية تفترض قراءة الواقع كما هو والبناء عليه حتى لا تصدمنا التحولات التي يفترض أن يقدم عليها رئيس أكبر قوة عسكرية في العالم. فالرئيس المنتخب أعلن أنه سيستمر في سياسته السابقة غير مكترث بالعالم الذي أجمع وتمنت معظم دوله وشعوبه أن يسقط في الانتخابات.
العالم إذاً يجب أن يأخذ هذه الواقعة في الاعتبار ويبدأ بالتعامل مع حادث سيكون له تأثيره السلبي على المنطقة العربية - الإسلامية.
والسؤال: ماذا يمكن أن يفعل العالم العربي (والإسلامي) في مواجهة هذا التحدي الأميركي؟
أولاً: لابد من مراقبة التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فأوروبا قاومت أو على الأقل مانعت السياسة الأميركية في السنوات الأربع الماضية، إلا أنها كما تبدو الآن غير مستعدة لمواصلة التحدي لأنها أساساً لاحظت أنها غير قادرة على الاستمرار في التحدي.
هذا يعني في لغة السياسة أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو المصالحة مع الولايات المتحدة على قاعدة توزيع الحصص والمغانم، على أن تكون الغنيمة الكبرى لأميركا وبعدها تأتي دول الاتحاد الأوروبي. وفي حال حصل التفاهم الأميركي - الأوروبي في الفترة القصيرة المقبلة فمعنى ذلك أن هامش التحرك لدول العالم العربي (والإسلامي) ضاق إلى حدوده الدنيا.
ثانياً: لابد من مراقبة الموقف الروسي من الاتجاه الأميركي نحو التفاهم مع الاتحاد الاوروبي. فالموقف الروسي خاص في تميزه وهو مركب من مجموعة مصالح ومخاوف. والتقارب الأوروبي - الأميركي سيشكل ضغطاً على موسكو وسيفرض عليها تعديلات جزئية على مواقفها المبدئية وستضطر إلى تقديم تنازلات بحكم الخوف من العزلة الدولية وتطويق أميركا لحدودها الجنوبية وفي شرق أوروبا بمجموعة أحلاف وقواعد عسكرية.
ثالثاً: لابد من مراقبة التوتر الحذر في العلاقات الأميركية الصينية. فالصين الآن في وضع أصعب من السابق بعد نجاح واشنطن في تثبيت تحالفها مع اليابان ودمج أستراليا في نظامها الأمني في تلك المنطقة الحساسة. يضاف إلى ذلك التقارب الهندي - الأميركي الذي يضغط على بكين بشرياً وعسكرياً وبالتالي يحاصرها جغرافياً في إطار سياسي ضيق لا يتخطى حدود جنوب شرق آسيا. وفي جنوب شرق آسيا تبدو الصين معرضة لفتح ملفات كثيرة تتعلق بالنفط والخلافات مع تلك الدول في تحديد جغرافيا الجرف القاري في المحيطات. موضوع التنقيب عن النفط في تلك الدائرة لا يمكن فصله عن الملف النووي في كوريا الشمالية والتحركات العسكرية بالتعاون مع واشنطن في جزيرة تايوان (فورموزا). كل هذه الملفات ستشكل عناوين ضاغطة على الصين في السنوات الأربع المقبلة، إذ المطلوب من بكين المساعدة على حل هذه الملفات الثلاثة (النفط، كوريا الشمالية، وتايوان) وإلا تحولت إلى نقاط توتر ساخنة في العلاقات الأميركية - الصينية.
هذه المراقبة مطلوبة من الدول العربية (والإسلامية) لأنها معنية بها في الدرجة الأولى على اعتبار أنها ساحة الاختبار لموازين القوى الدولية التي تحاول واشنطن ترسيم حدودها معتمدة الحل الأمني (القوة العسكرية) للضغط على الدول الكبرى من خلال كسر الكثير من الأعراف والتقاليد التي نصت عليها المواثيق الدولية وهيئات الأمم المتحدة.
دول العالم العربي (والإسلامي) أمام أميركا جديدة، بمعنى أنها أكثر يمينية ومتطرفة في سلوكها السياسي سواء في العلاقات مع الدول الكبرى أو في أهدافها المعلنة بوضوح ومن دون مواربة مع الدول الواقعة في دائرة أطلقت عليها «الشرق الأوسط الكبير» تقع حدودها من غرب الهند إلى غرب إفريقيا.
هناك أسئلة كثيرة تطرح على الدول العربية (والإسلامية) وهي تتجاوز التمنيات التي أطلقها بعض المثقفين عن احتمال تغير مواقف بوش بعد انتخابه لولاية ثانية.
السياسة شيء والتمنيات مسألة أخرى. والمراهنة على فرضية أن بوش سيتغير في ولايته الثانية ليست كافية لتأسيس استراتيجية عربية جديدة. فالمطلوب هو المراقبة وإعادة قراءة الاحتمالات الواقعية ضمن المستجدات الدولية والإقليمية. وهذا الأمر يستدعي الكثير من الانتباه وربما التكيف حتى لا تدفع الدول العربية (والإسلامية) ثمن الصفقات في فترة تطمح الولايات المتحدة إلى ترسيم حدودها السياسية في جغرافيا «الشرق الأوسط الكبير»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ