مجرد سؤال يقفز إلى أذهاننا وسط لجة أسئلة عن الحرية التي تشغل دعاة الإصلاح في العالم العربي، وكل سؤال من هذه الأسئلة يولد أسئلة أخرى، وهكذا تتزاحم الأسئلة وتتداخل الكبيرة منها في الصغيرة أو العكس، ثم يلي ذلك دور الإجابات عليها، أما بمفردات وجمل وبحروف وأحاديث وحكايات تنتهي «بشخابيط» على الورق، فيما أصحاب الفكر العربي المستنير منشغلون في البحث والدراسة لإيجاد معادلة تتعدى «الحرية» كشرط أساسي لتفتح المجتمع والفرد، لتصل إلى مفهوم رفض الاستبداد كنقيض للحرية، بينما الواقع يشير إلى أن العالم لا يحتاج إلى الحرية فقط، وإنما يحتاج إلى ربطها بقضايا العدالة الاجتماعية، وهي المفهوم الكلاسيكي للاشتراكية.
وكما قال المفكر العربي فهمي جدعان في لقاء مع الصحيفة الإلكترونية «إيلاف»: إنني «أفكر في هذه المسألة تفكيراً معمّقاً، وأرجو أن أخلص إلى منظومة فكرية في هذا الصدد في وقت قريب».
وكل ما يفكر فيه جدعان، أن «الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في العالم العربي اليوم لا يمكن أن تجد حلولها النهائية في مفهوم للحرية منبتّ الصلة عن مفاهيم العدالة والتنمية، وأن الصيغة الليبرالية المسرفة أو الجديدة لا تصلح مدخلاً لقيمة الحرية في العالم العربي، وأن الصيغة التي يتعين التوجه إليها تكمن في شكل من أشكال ما يمكن أن نسميه بالليبرالية الاجتماعية».
أي بقليل من التبصر لرؤية جدعان فلسان حاله يقول: «إن العالم العربي لايحتاج إلى الحرية فقط، وإنما يحتاج أيضاً - إلى الخلاص والخروج من المأزق - إلى مركب شامل يربط قيمتيْ الحرية والديمقراطية بقيمتين أخريين أساسيتين هما العدالة والتنمية».
هنا تتداخل الأسئلة: ما العمل؟ وبما نبدأ؟ فإذا كانت أنظمتنا تستكثر علينا أن نكتب «الحرية» على الجدران وعلى كراساتنا المدرسية وفي أوراقنا الخاصة أو حتى على «الهارد ديسك» في كمبيوتراتنا، والأنكى من ذلك، تعاقبنا على طريقة: «رماه في الشط مكتوفاً وقال له... إياك إياك أن تبتل بالماء»!
إذا طالبنا بحرية القول، نعتبر في زمن الاستبداد مدانين حتى النخاع، ومدانون أيضاً في ما يشاع بمرحلة «الحريات» الممنوحة، في حين أن أقصى طموح للمطالبين بمزيد من الحريات لمعالجة خلل الحريات، وببساطة شديدة توجه لهم تهمة جاهزة وهي: إنهم من هواة «حرق المراحل»، ويسترشدون بحال الأوضاع السيئة والأمثال الأكثر سوءاً في البلدان الأخرى، لإثبات أن أوضاعنا أفضل منهم كمسألة نسبية، في حين يتبرع مثقفون من المفترض انهم من المدافعين عن حرية الرأي والتعبير والديمقراطية ونحن قد دخلنا الألفية الثالثة والعالم بأسره يدفع باتجاه الانفتاح والعولمة على مزيد من الحريات لينظروا لنا على أن النضال «ليس قلي بيضة، وإنه يحتاج إلى نَفَسٍ طويل، ويطالبوننا بالغطس حتى الموت لتحقيق الحرية والديمقراطية المبتغاة!».
لنرجع إلى «خميس كمش خشم حبش»، أو «فسنستبك بكت كفت كموها؛ وإن كنتم رجالاً ففهموها»، أي الرجوع إلى الأسئلة التي تولد أسئلة بين خبرة القدرات في هز لسان السياسيين والمثقفين الرسميين كما تهز الراقصة وسطها، وهل هناك فرق بين الراقصة الرخيصة والسياسي الانتهازي، حين يكون الكلام غير مفهوم، وعصياً على الفهم، الرغم أن استحقاقات الحرية والديمقراطية لا تحتاج إلى مزيد من التعقيد وكثرة التنظيرات وهز اللسان؟
بتبسيط شديد: 11 2 وليس 11= 11، كما يفعل المخبولون في حساباتهم غير الدقيقة، التي تستخف بوعي الناس وتضعهم في خانة تتجاوز قدرتهم على التمييز بين ما هو في صالحهم، وما هو ما يضرهم. ومن يثق بوعي مواطنيه يفهم أن الحرية التي نتغنى بها لها معنى واحد: هو النقيض للاستبداد الذي يصطف بجانبه لفيف من هزازة «الوسط واللسان»، وما أكثرهم على امتداد الساحة العربية
العدد 791 - الخميس 04 نوفمبر 2004م الموافق 21 رمضان 1425هـ