للمرة الأولى يُنصف القطاع الخاص ويحوز على شيء من المكرمات التي غالبا ما تغدق على القطاع الحكومي! وليت هذا الإنصاف جاء في ظرف غير وفاة حاكم لدولة شقيقة لا يمكننا أبدا أن ننسى كرمه وأفضاله على مملكتنا الحبيبة... ليت هذا الشيء من المساواة بين القطاعين جاء في مناسبة سعيدة وفي وقت لا يمكن إلا أن يضفي البهجة على القلوب جميعها فتعم وتشمل... ولكن هذا هو حالنا نحن الشرقيين عموما، لا نلتقي إلا في الأحزان والشدائد، حتى كدنا نفقد طعم الفرح!
ونحن إذ نشكر كل من هب لإنصاف هذا القطاع لا يمكننا إلا أن نستعرض حال الفئة المنضمة إليه من قبل هذه المكرمة بسنوات إلى قبيل صدورها بلحظات... ولكي نضع يدنا على أول الخيط لابد لنا من الإجابة على سؤال لاشك أنه سيتبادر إلى ذهن أي مقارن لعدد المنضوين تحت لواء القطاعين، وأحلام الذين هم على وشك الالتحاق بأحدهما: لماذا الغالبية العظمى من المواطنين تفضل العمل بالقطاع الحكومي على نظيره الخاص؟! فعلى رغم أن الطريق إلى التعيين في هذا القطاع (الحكومي) طويل جدا وقد يسرق سنوات من عمر أحدنا حتى يتمكن أخيرا من تحقيق حلمه ونيل مراده فإن أعداد الطالبين للعمل فيه في تزايد يوما عن يوم... فحتى خريجو الإعلام وإدارة الأعمال وهي تخصصات تؤهل دارسيها إلى الالتحاق على الأرجح بالقطاع الخاص... نجد هؤلاء ما إن يتخرجوا من جامعاتهم حتى يسارعوا إلى تقديم أوراقهم وطلبهم للعمل إلى جميع وزارات الدولة الحكومية متجاهلين الشركات والمؤسسات التابعة للقطاع الخاص والتي من الممكن أن يجدوا عملا فيها يتناسب مع مؤهلاتهم وطبيعة دراستهم التي أفنوا سنوات من حياتهم وهم يجاهدون من أجل نيل شهادة تخصص فيها!.
طرحنا هذا السؤال على عدد من هؤلاء فكانت إجابتهم واحدة تقريبا: نعلم أن القطاع الخاص فيه من الحيوية وإمكان الإبداع في العمل والرقي بالذات والعقل أكثر بكثير من العمل في نظيره الحكومي، لكن واقع الحال والظروف المحيطة وما نشهده على الساحة تجعل أيا منا يتروى قليلا في الاختيار بينهما وإن استسلم لتلك الظروف وتجاهل نفسه لاشك أن سيختار (الحكومي)! وهذا لا يحتاج إلى عميق تفكير لندرك أسبابه، فالبحريني البسيط ما الذي يتمنى بل ويسعى إلى الحصول عليه غير راتب يعمر به جيبه لا يمكن أن يقل عن 300 دينار، وضمان الوظيفة مدى الحياة وبعد الحياة براتب تقاعدي للأبناء وفوق هذا إجازة يومين في الأسبوع من الممكن فيهما أن يقتل روتين العمل الممل الذي يزاوله طوال خمسة أيام في الأسبوع، أضف إلى ذلك غيرها من الإجازات القابلة للتكاثر مع أية مناسبة أو ظرف طارئ!... وإذا ما نظرنا إلى ناحية أخرى لن نجد في القطاع الخاص ما يشجع على الالتحاق به وخصوصا مع الكرم الحاتمي الذي ينعم بخيراته القطاع الحكومي من دون غيره... فالراتب ممكن أن يتضاعف في شهر من الشهور... ومن الممكن أن تحصل على عيدية (حتى لو جاءت بطرارة من النواب أو وضعت في مزاد علني لا يأتي بزيادة إنما بنقصان)... وغيرها الكثير والكثير من الامتيازات التي تخصنا بها الحكومة دون غيرنا... فمن أين لنا بعد كل هذا أن ننمي الرغبة فينا أو نستمع إلى من يحاول ترغيبنا في العمل في (الخاص)؟!
هذه الأوسمة التي منحت لقطاع دون آخر جعلت المحروم منها يحقد على أخيه ويلعن اليوم الذي فكر فيه في تنمية نفسه وذاته متغافلا جيبه وراحته ليومين في الأسبوع، وآه لو سمعتم عبارات التذمر قبل صدور القرار بمنح العاملين في القطاع الخاص يومين إجازة لوفاة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله أسوة بنظرائهم في القطاع الحكومي الذين منحوا إجازة ثلاثة أيام!... فلسان حال (الخاصين) مع كل مكرمة أو منحة يردد سؤالاً مضحكا مبكيا في آن «هل نحن عيال البطة السودة»؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ