لعل الاقتراب الهادئ من السلف بصفتهم نواباً، يعد ضرورة تفرض نفسها على المتابع لافرازات السياسة البحرينية، فهناك إشكالات كثيرة تثور من حين لآخر عند التعرض لمواقفهم السياسية والدينية. كما تنبع أيضا - وهذا هو الأهم - من النظرة المنمطة التي أضحت شائعة في بعض الأوساط السياسية والثقافية الاعلامية البحرينية، وهي النظرة التي تدمجهم بمعاداة «الحداثة» و«الديمقراطية»، وكذلك بهامشية أدائهم البرلماني وانحسار أجندتهم السياسية في قضايا اللحى والنقاب والدفاع عن الأخلاق، أو ما يسمى بـ «الأجندة الأخلاقية»، وهو ما طالعنا به حديثاً مقال عبدالنبي العكري الذي احتوى كلاماً مشابهاً) لذلك.
نقول إنه على رغم أن هذه الاشكالات تعيد إلى الأذهان بصورة فورية طبيعة العلاقة بين الاسلام، الاجماعات الاسلامية والحداثة، السلف والديمقراطية... إلا أننا سنقترب من النواب السلف في البحرين على أرض الواقع، أي بصفتهم نواباً، ولن نتورط في قضايا نظرية تجريدية لا تقدم توضيحاً لحقيقة الأمر أكثر مما تقدم تعتيماً واختلافاً حوله.
انطلاقا مما تقدم فإننا سنقدم اقتراباً من أداء السلف (كتلة الأصالة النيابية) في ظل الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة لهم دستوريا بصفتهم نوابا، خلال دوري الانعقاد الأول والثاني من الفصل التشريعي الأول، وذلك مقارنة بأداء الكتل النيابية الأخرى، لنتعرف على مدى استغلالهم الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة لهم دستورياً مقارنةً بغيرهم من الكتل.
على أن ينقسم مقالنا إلى جزأين، الأول يعرض اقتراباً لأدائهم خلال دور الانعقاد الأول (تقتصر المقارنة هنا على الكتل النيابية، الأصالة الإسلامية، (السلف)، المنبر الوطني الإسلامي (إخوان مسلمين)، الوطنيين الديمقراطيين (يسار، وعلى رغم أن هذه الكتلة (الوطنيين) لم تتشكل «رسمياً» إلا في دور الانعقاد الثاني فإن النائبين عبدالهادي مرهون وعبدالنبي سلمان كانا يتحركان ككتلة واحدة وبالتالي نعتبرهما كتلة نيابية منذ الدور الأول، إذ انضم إليهما يوسف زينل في دور الانعقاد الثاني). أما الكتل النيابية الأخرى فلم تتشكّل إلا في دور الانعقاد الثاني لذلك لن تشملها المقارنة في هذا الجزء الأول.
وأما الجزء الثاني من المقال فيتعرض للأداء التشريعي والرقابي لكتلة السلف مقارنة بغيرهم من الكتل، مع تقديم تقييم نقدي لهم ولمجلس النواب بشكل عام.
أولاً: صلاحيات النواب الدستورية
يمنح الدستور البحريني (2002م) النواب صلاحيات محددة، أهمها على الإطلاق الصلاحيات التشريعية والرقابية. فالصلاحيات التشريعية (سن أو تعديل أو إلغاء القوانين) تحددها المواد الدستورية (68)، (70)، (92). أما الصلاحيات الرقابية (الرقابة على أعمال الحكومة) فتحددها المواد (65)، (67)، (69)، (91).
والصلاحيات التشريعية تتمثل بصورة أساسية في حق النائب في التقدم بمقترحات القوانين، مقترحات برغبة (تعني ابداء رغبات مكتوبة إلى الحكومة في المسائل العامة، المادة 68 من الدستور)، حق تعديل الدستور.
أما الصلاحيات الرقابية فيتمثل أهمها في حق توجيه الأسئلة إلى الوزراء، تشكيل لجان تحقيق، استجواب الوزراء (توجيه اتهام لهم)، طرح الثقة في الوزراء اقالتهم، الدفع بعدم امكان التعاون مع رئيس الوزراء (والذي ينتهي بقيام الملك إما بإقالة مجلس الوزراء أو حل مجلس النواب المادة 67 من الدستور). علماً بأن هناك صلاحيات أخرى للنواب مثل حق الكلام في المجلس، تعديل الموازنة.
ثانياً: على مستوى الممارسة:
1- الحصيلة التشريعية
كانت الحصيلة التشريعية لدور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الأول، والذي انعقد خلال الفترة من 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002م إلى 31 مايو/ أيار 2003م، هي 54 اقتراحاً برغبة، 19 اقتراحاً بقانون، وذلك بالنسبة لمجلس النواب ككل.
كان نصيب كتلة الأصالة (عادل المعاودة، غانم فضل البوعينين، حمد المهندي، علي مطر، عيسى المطوع) 14 مقترحاً (7 مقترحات برغبة، 7 مقترحات بقوانين)، أما كتلة المنبر الوطني الاسلامي (صلاح علي، علي أحمد عبدالله، عبداللطيف الشيخ، حسن عيد بوخماس، عبدالعزيز المير، محمد خالد، سعدي عبدالله) فكان نصيبها 12 مقترحاً (8 مقترحات برغبة، 4 مقترحات بقوانين)، أما كتلة الوطنيين فكان نصيبها 10 مقترحات (8 مقترحات برغبة، 2 مقترح بقانون).
أي أن النواب السلف هم أكثر من مارس الصلاحيات التشريعية الممنوحة لهم خلال دور الانعقاد الأول مقارنة بالكتل النيابة الأخرى، كما تظهر الأرقام السابقة. كما يلاحظ أن غالبية المقترحات التشريعية، لكل الكتل، سواء مقترحات بقوانين أم مقترحات برغبة، قد تعاملت مع قضايا معيشية وخدماتية مباشرة، وذلك على رغم عدم تجانسها بشكل عام. كما أن عدداً كبيراً من هذه المقترحات قد لامس فعلاً الهمّ المعيشي للمواطن وتعامل معه بشكل ناجع وشمولي. كما قلّت بشكل عام المقترحات التي تعاملت مع قضايا سياسية أو اقتصادية (تتعلق بتطوير الاقتصاد البحريني ككل).
من ناحية أخرى يلاحظ «كثرة» المقترحات التي هدفت إلى تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتي صدرت خلال الفترة التي أعقبت الانتخابات النيابية وسبقت انعقاد جلسات دور الانعقاد الأول، إذ صدرت بمرسوم بقانون رقم (54) في 23 أكتوبر 2002م، وهو ما اشتركت في القيام به الكتل النيابية الثلاث.
2- الحصيلة الرقابية
تمثلت المحصلة الرقابية لدور الانعقاد الأول لمجلس النواب ككل في توجيه 34 سؤالاً إلى الحكومة، وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في إفلاس صندوقي التقاعد والتأمينات تمخضت عن تقديم استجوابات لوزراء ثلاثة وهم وزير المالية والاقتصاد الوطني، وزير العمل والشئون الاجتماعية، وزير العمل السابق عبدالنبي الشعلة، إلا أن الاستجواب لم يتمخض عن سحب الثقة. كان نصيب «الأصالة» من الأسئلة 6 أسئلة، و«المنبر» 5 أئلة، و«الديمقراطيين» سؤالين فقط. أما لجنة التحقيق البرلمانية فتضمنت أعضاء من الكتل النيابية الثلاث، وهم عادل المعاودة (الأصالة)، سعدي عبدالله (المنبر)، عبدالنبي سلمان (الوطنيين).
ومن ثم يظهر أيضاً أن كتلة الأصالة هي أكثر من مارست الصلاحيات الرقابية الممنوحة للنواب مقارنة بالكتل الأخرى سواء المنبر أو الوطنيين الديمقراطيين.
كذلك ما قلناه على المحصلة التشريعية ينسحب أيضاً على المحصلة الرقابية لمجلس النواب ككل، بكل كتله. غلبت الأسئلة التي تعاملت مع قضايا معيشية وخدماتية بالأساس، وقلّت تلك التي تعاملت مع القضايا السياسية والاقتصادية، على رغم أنها لم تنعدم كلية».
إلا أنه قد لا يكفي ما سبق للحكم على أداء كتلة نيابية مقارنة بالكتل الأخرى، ولكن ينبغي التطرق لنوعية تلك المقترحات لتقييم الأداء النيابي بشكل أكثر دقة وموضوعية، واللافت هنا أيضا أننا لا حظنا أن أكثر المقترحات التشريعية شمولية وتطوراً (المقترحات بقوانين تحديداً) كانت تخص نواب كتلة الأصالة السلفية وذلك مقارنة بمقترحات الكتل الأخرى، وهي بالأساس مقترحات تعاملت مع الواقع المعيشي. ونقصد بهذه المقترحات التي تقدمت بها كتلة الأصالة مقترح قانون الضمان الاجتماعي (بالأخص)، ومقترح بقانون بشأن زيادة رواتب الموظفين والعسكريين على جدول الوظائف العمومية والاعتيادية ورفع الحد الأدنى للأجور، إذ لا توجد مقترحات مناظرة لهذين المقترحين لأي من الكتلتين الأخريين سواء المنبر أو الوطنيين.
فمقترح قانون الضمان الاجتماعي يتضمن أن تتكفل الدولة باثنتي عشرة فئة مستحقة للضمان الاجتماعي من البحرينيين تشمل الولد الذي لا عائل له إذا لم يتجاوز سن 18، الأرملة إذا لم تتجاوز سن 60، المهجورة إذا لم تتجاوز سن 60، أسرة المسجون، اليتيم ومن في حكمة، العاجز كلياً، العاجز جزئياً، المريض، المسن، العاطل عن العمل إذا تجاوز سن 18 ولم يجاوز سن 60، على أن تقوم الدولة بدفع معاش شهري للأسرة الصغيرة (أقل من خمسة أفراد) لا يقل عن 120 ديناراً شهرياً والأسرة الكبيرة (أكثر من أربعة أفراد) بما لا يقل عن 150 ديناراً شهرياً، والفرد الواحد ما لا يقل عن 75 ديناراً. أما مقترح رفع الحد الأدني لرواتب الموظفين الحكوميين فيقضي برفع الراتب بنسبة 33 في المئة في حدها الأعلى ليكون الحد الأدني هو 200 دينار بدلاً من 150 ديناراً.
الأكثر من ذلك أن السلف قد تقدموا أكثر من غيرهم بمقترحات بقوانين لتعديل مواد محددة في اللائحة الداخلية تعوق عمل النيابي، إذ تقدمت الأصالة بمقترحين بقانونين لتعديل عددٍ من المواد المعيقة في اللائحة الداخلية، في حين أن كتلة «المنبر» تقدمت بمقترح واحد فقط، وتقدم «الوطنيين» بمقترح واحد فقط أيضاً.
ملاحظة البيانات مستقاة من التقرير السنوي لأعمال دور الانعقاد العادي السنوي الأول، الفصل التشريعي الأول، مجلس النواب
العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ