تريد أميركا ومعها الأوروبيون استخدام «خبز السكر» من جهة و«السوط» من جهة أخرى لهدف دفع إيران إلى التخلي عن برنامجها النووي. يطلق الأميركيون على هذه اللعبة اسم: العصا والجزرة، وهم يمارسونها وفقا لقوانينهم الخاصة. وكان السؤال يدور حول ما إذا كان سيتعرض النظام الإيراني في القريب إلى لسعة سوط أم يحصل على جزرة وخبز السكر، فالقرار عائد لواشنطن.
الآن يتدرب الأوروبيون على لعبة مماثلة ويسعون إلى تصعيد جهودهم من أجل دفع إيران إلى التخلي عن برنامجها النووي، فيما يتحدث السياسيون في أوروبا أيضاً عن خبز السكر والسوط، وهذه النبرات جديدة على الأوروبيين... (لذلك يفضل وزير الخارجية يوشكا فيشر استخدام كلمة العصا عوضا عن كلمة السوط).
في مستهل الأسبوع الماضي بحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سرا الحال الإيرانية واتفقوا فيما بينهم على استخدام سياسة متشددة تجاهها إذا تطلب الأمر. وقال دبلوماسي أوروبي في بروكسل: إننا نضع إيران أمام أمرين: التعاون أو العزلة. وهكذا تكشف أوروبا عن الخوف الذي يتملكها من مضي إيران في برنامج تخصيب اليورانيوم وإمكان توصلها لتصنيع القنبلة الإسلامية.
ويعلم الأوروبيون أنه بعد انتخابات الرئاسة الأميركية ستصبح إيران تحت المجهر الأميركي والعالمي أيضا. بتاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، ستتخذ الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا قرارها المنتظر فيما إذا سيجري نقل النزاع إلى مجلس الأمن. وتراقب «إسرائيل» كل حركة باهتمام كبير، ولم تتردد في القول إنها لن تسمح لإيران إكمال برنامجها النووي وحصول دولة إسلامية على أسلحة نووية. وتقول إيران إن برنامجها النووي يرمي لأغراض سلمية لكن الغرب لا يصدق هذا الكلام. وتسعى الولايات المتحدة إلى تصعيد دبلوماسي للنزاع ولا أحد يعرف في النهاية كيف ستكون صورة النزاع في نهاية النفق، لكن العالم ينظر إلى إيران ويتذكر العراق. لهذا يسعى الأوروبيون إلى الحيلولة دون تصعيد النزاع ونشوب حرب جديدة في منطقة الخليج.
الجانب الإيراني قال إنه لبى مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية حين أعلن استعداده السماح لمراقبين دوليين، بالإطلاع على المنشآت النووية الإيرانية والتأكد من أنها تخدم أغراضاً سلمية، فيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتقد أن إيران تعمل سرا في برنامج يرمي لإنتاج أسلحة نووية.
وقالت «إسرائيل» ان إيران ستحصل على أسلحة نووية في موعد أقصاه العام 2007 إذا لم يجر وقف برنامجها، وهي تفضل قيامها مع الولايات المتحدة بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وهو بالتحديد ما يخشاه الأوروبيون الذين يشيرون إلى أن الوضع في إيران يختلف عن العراق. ويخشى هؤلاء على الأكثر أن توجه إيران ضربات انتقامية إلى القوات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان، وضرب أهداف داخل العمق الإسرائيلي.
الموقف الأوروبي تغير نتيجة الضغط الأميركي والإسرائيلي بعد اتهام واشنطن وتل أبيب المحور الأوروبي الثلاثي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بتضييع الوقت واتباع سياسة ناعمة مع إيران. فقد بدأ الأوروبيون يهددون بالعصا لكنهم لم يتخلوا أبدا عن سياسة الجزرة، آملين بذلك تهدئة أعصاب واشنطن وتل أبيب. ويريد الأوروبيون كسب تأييد إدارة الرئيس جورج بوش لمسعاهم في مواصلة الحديث مع إيران لكنهم قالوا أيضا انه إذا رفضت إيران هذه المرة التجاوب مع مطلب الغرب، سيجري استخدام العصا ضدها وأنهم سيساندون الولايات المتحدة في مجلس الأمن بصورة تلقائية. لكن في المقابل اشترط الأوروبيون أن تستخدم واشنطن سياسة الجزرة ولو مرة واحدة وأخيرة مع إيران.
تنص الفكرة الأوروبية على ما سمي بصفقة كبيرة، بحيث يعد الغرب بتقديم مساعدة تكنولوجية حديثة لمساعدة إيران في الحصول على الطاقة النووية فقط لغرض استخدامها سلميا. في المقابل يتوجب على إيران التخلي عن كل ما لديها من أنظمة ووسائل وإمكانات من شأنها استخراج مادة اليورانيوم، المادة الأساسية لإنتاج أسلحة نووية. كما تنص الصفقة على تعهد روسيا باستعادة المهملات النووية التي تقدمها لإيران. ويحاول الاتحاد الأوروبي تشجيع إيران على التجاوب مع الغرب بعرض عقد اتفاق للتجارة معها وتشجيع ضمها لعضوية منظمة التجارة العالمية وإقامة برامج للتبادل العلمي معها.
محاولات الأوروبيين ليست جديدة، لكن الجديد هو ظهور بوادر استعداد من قبل واشنطن لمنح السلام «فرصة أخيرة» بحسب قولهم. فقد صرح نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد آرميتاج بأن بلاده منفتحة أمام الأفكار المطروحة كافة وخصوصاً تلك الأفكار التي لا تقود إلى مجلس الأمن. الولايات المتحدة التي تعيش الفترة الحاسمة التي تسبق موعد انتخابات الرئاسة ما زال فيها انقسام بشأن كيفية التعامل مع إيران. فقد كشف مرشح الديمقراطيين جون كيري أنه سيمضي في مفاوضات وإقامة حوار بناء مع طهران. لكن الرئيس بوش، لم يتطرق لهذا الموضوع، إلاّ أن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في برلين واثقة بأن بوش في حال إعادة انتخابه، سيستخدم سياسة العصا مع إيران، ومثلما فعل في العراق، دون التفكير بالعواقب لأنه سيقول للأميركيين: «ضربنا الإرهابيين في مكانهم قبل أن يأتوا إلينا»
العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ