حدثان لا يخدمان الإصلاح والديمقراطية في البلاد، الأول: التطاول على الرموز، مهما كانت الحجج، إذ يجب أن تحفظ مكانة رموز البلاد، والركن الأساسي في هيكلية الدولة بمعزل عن التجريح والتطاول أياً كان... إذ إنه من المسلم به، والمنصوص عليه في مختلف الشرائع، انه لا تقر أية شريعة التعدي على أي إنسان وتجريحه أو إهانته، وليس من حق أحد، كائناً من كان، تجريح الآخرين، مهما اختلف معهم. والأمر الثاني: نص المرافعة (المذكرة) التي تقدم بها رئيس النيابة في حق عبدالهادي الخواجة وهي من مفاجآت العيار الثقيل، إذ لا يمكن تصور أن صوغ مذكرة من هذا النوع تخدم الحريات العامة والمحافظة على المكتسبات الحضارية التي دائماً نتغنى بها، وبالإضافة إلى افتقارها للكياسة الديمقراطية فإنها تفتقد للمبادئ العالمية السامية في حقوق الرأي والتعبير.
اليوم بعد تلك المرافعة، هل يشك أحد في أن صوغها يستند على خلفيات قانون محكمة أمن الدولة السيئ الصيت؟ ما يحير المرء في البلاد هو تكرار الحديث عن حماية الحريات وتشجيعها وفي الوقت ذاته تجري إجراءات نحرها من خلال مثل تلك المرافعات! والتي لا تعبّر ولا تنسجم مع واقع الحياة السياسية والاجتماعية التي يطمح لها جلالة الملك والشعب البحريني. صوغ يتم حشوه بمثل تلك الألفاظ يخال لمن يقرأها أن المتهم سيجرجر باللباس الأحمر لعشماوي باشا!
لا يمكن لأي عاقل أن يتفاءل بمثل تلك المرافعات في ظل أجواء الحريات والديمقراطية وتقبل الرأي الآخر، والغريب في الأمر أن يتفوق أعضاء المجلس النيابي على حضرة رئيس النيابة! ويقوم البعض بالمزايدة عليه من خلال الخطب العصماء التي تصف أصحاب الرأي الآخر بالثعابين التي خرجت أو التي عادت إلى جحورها كما يقول النائب الشيخ محمد خالد، والذي فاجأنا بتكرار هذا الخطاب الناري الذي هو بشخصه كان يقول أكبر وأكثر بكثير مما قيل، وفي شئون مختلفة! فهل يقبل بمرافعةٍ مثل مرافعة حضرة رئيس النيابة؟!
سن القوانين المفضية إلى فتح المجال للحريات وحقوق المواطنية المنصوص عليها في الشرائع المختلفة (الشريعة الإسلامية وشرعة حقوق الإنسان والأفكار والقيم الحضارية) هو مسئولية المجلس الوطني بغرفتيه، وأكثر تحديداً بالغرفة المنتخبة، ولكن إذا كان هذا رأي النواب فيمن يعبر عن رأيه منتقداً سياسة الحكومة أو أية جهة أخرى فأية قوانين مساندة أو مساعدة للحريات ستصدر من المجلس النيابي؟
ويبقى القول صحيحاً: إن كل ما حدث لا يخدم العملية الإصلاحية، وعلى ذلك انتقد وصرح العلماء والجمعيات السياسية ونادي العروبة وغيرهم بأن ما حدث لا يخدم الإصلاح والديمقراطية، وخصوصاً حينما تم استغلال الحادث «للشتم» و«التجريح» و«الحرق»، ورشق قوى الأمن العام
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ