العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ

مصالح العرب بين كيري وبوش

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم تعلن النتائج وبات بالإمكان طرح السؤال: «أين تقع مصالح العرب بين جون كيري وجورج بوش»؟ من الصعب الاجابة في قالب واحد نظراً إلى اختلاف الأمزجة العربية والمصالح بين الأنظمة والشعوب من جهة وبين التيارات السياسية التي تصنع الرأي العام العربي. هذا الاختلاف ليس عيبا بل هو الدليل على ان الشعوب العربية تجاوزت مرحلة «القطعان» وتحولت إلى فئات وطبقات وتكتلات لا تتفق بالضرورة على مصلحة واحدة ومصير واحد. فالكل ينظر إلى مصلحته من خلال قراءة الهدف المشترك من منظار سياسي يرتب اولويات المصلحة القومية وثم الوطنية واخيراً الجهوية.

الاجابة اذا اجابات وليست موحدة في النهاية على موقف مشترك نظراً إلى تنوع الاجتهادات واختلاف القراءات.

الانظمة العربية، مثلا، تميل عادة إلى تأييد الحزب الجمهوري ظنا منها ان قياداته تقليدية ومحافظة وهذا يحسن من فرصها في التعاون والتفاهم مع واشنطن.

ومشكلة هذه النظرة الرسمية انها لا تقرأ التاريخ وتظن ان العالم مثلها ساكن لا يتغير ولا يتحرك. وبسبب جمود نظرتها تلك تظن الانظمة الرسمية ان الحزب الجمهوري لا يتغير وهو باق على ما هو عليه كما كان امره في مطلع القرن الماضي وطوال عقود الاربعينات والخمسينات. والمشكلة الثانية في نظرية الانظمة الرسمية انها ترى الحزب الديمقراطي كما هو عليه من الخمسينات والستينات وانه لا يتغير ولا يتحرك بفعل الزمن والجغرافيا.

الانظمة العربية اذاً تنطلق من ثوابت وتعتمد في نظراتها على قواعد جامدة لا تتحرك حتى لو تغير العالم. بعض الانظمة العربية يعتبر ان معركته الاساسية لا تزال مع الشيوعية والمعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي وبالتالي لابد من دعم الولايات المتحدة في معركتها ضد «الالحاد العالمي». وبعض الانظمة يظن ان واشنطن تخضع للسيطرة اليهودية وان على الدول العربية ان تدعم اميركا وتساعد الحزب الجمهوري لتحرير الولايات المتحدة من الهيمنة اليهودية. فهذه الانظمة تفسر دعم واشنطن لتل ابيب بأنه يعود إلى استيلاء اليهود على البيت الأبيض وليس بسبب لقاء المصالح بين «اسرائيل» واميركا في مواجهة العرب والمسلمين.

الانظمة العربية لاتزال تعيش في اوهام الماضي ولا ترى في الاصولية الأنجيلية (المحافظون الجدد) أية مشكلة ولا تقرأ جيداً ما فعلته ادارة بوش في مرحلتي الأب والابن جيداً وبالتالي من المستبعد ان تقرأ جيدا ما سيفعله بوش في حال نجح في انتخابات اليوم.

مقابل الانظمة هناك الشعوب. والشعوب بدورها غير متفقة على مصلحة واحدة وبالتالي على مصير ينتهي بالجميع الى هدف واحد. فالشعوب في النهاية طبقات وفئات وتكتلات وجهات وبالتالي فهي مزيج من الاهواء والمشاعر. فهناك مثلا تيارات تتمنى فوز بوش ليس حباً في الحزب الجمهوري بل كراهية للأنظمة العربية. فهذه التيارات قرأت جيدا برنامج «المحافظين الجديد» ووجدت فيه فرصة للتخلص من انظمة قمعية استبدادية تتوارث السلطة وتحتكر الثروة وتقصي الناس عن المشاركة. وبناء على هذه النظرة فانها لا تمانع اميركا في حال قررت واشنطن اجتياح المنطقة وزعزعة استقرارها وطاردت الانظمة واعتقلت رجالها كما فعلت في افغانستان والعراق.

وهناك تيارات عربية سياسية (عاقلة وواقعية اكثر) تنظر إلى الحزب الجمهوري على اساس انه رأس حربة الخطر الحقيقي على العرب والمسلمين ليس حباً في الأنظمة العربية ولا دفاعا عن سياساتها السيئة بل خوفا من الأسوأ. فالكتلة الجمهورية الحاكمة الآن في واشنطن غير مهتمة كثيراً بتغيير الانظمة بل اهتمامها ينصب على تغيير الدول العربية (تعديل الخرائط السياسية باتجاه المزيد من التقسيم والتفكيك) وتقويض الأمن وزرع الفوضى ونهب الثروات.

التيار الثالث يبدو انه الاقوى فهو يدرك مخاطر عودة «المحافظين الجدد» الى السلطة وبالتالي مال إلى دعم المرشح الديمقراطي جون كيري ليس حبا فيه بل لانه الأقل سوءاً من الأسوأ.

هذه التيارات الثلاثة تقدم أجوبة مختلفة على سؤال واحد: أين تقع مصالح العرب بين كيري وبوش؟ إلا أن الجواب الحقيقي هو ان العرب حتى الآن فشلوا في بناء سياسة عملية تستدرك التحولات وتقرأ المتغيرات. فالكل يحارب الكل في وقت تتجه واشنطن إلى اتباع سياسات انقلابية جديدة لا صلة لها بتلك الفترات التقليدية والمحافظة التي صبغت سياسة الولايات المتحدة الخارجية في العقود الماضية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً