التصويت الذي طرحته «الوسط» هذا الاسبوع كان عن دعوة الشيخ عيسى أحمد قاسم إلى تهدئة الساحة وعدم توتير الوضع الأمني مع الاستمرار في المطالبة السلمية العادلة... النتيجة كانت كما توقع كثيرون؛ فلقد صوّت المئات من القراء معبرين عن تأييد يفوق 90 في المئة لاستخدام العمل السلمي في السياسة، بينما صوّت الباقون لصالح التصعيد في العمل، حتى لو كانت في ذلك مواجهات وصدامات بين الشارع السياسي المتحرك وقوات الأمن.
لقد كان واضحاً منذ فترة غير قصيرة أن المؤيدين للتصعيد والمواجهة هم الاقلية المتشنجة في طرحها والتي رددت الشعارات السوداوية كثيراً ومن ثم أصبح لزاماً عليها أن تجر الساحة إلى المواجهة لكي تتحقق النبوءة التي تحدثت عنها كثيراً.
هناك من يطرح أن «مُندسين» ربما يقفون خلف التصعيد باتجاه المواجهة، وهذا حتى لو كان صحيحاً فإن الواقع يقول إن قرابة 10 في المئة من الساحة المتحركة تود فعلاً الاصطدام وتود أن ترجع المواجهات، بل إن البعض مستعد للتقدم بطلب رسمي لدخول السجن، واذا رفضت الداخلية سجنه فسيشتم رئيس الوزراء، واذا رفضت الداخلية سجنه فسيشتم حتى الملك. هذه قناعتي بعد أن تحدثت كثيراً مع أطراف عدة فاعلة في الساحة، ويتبين بكل وضوح أن هناك مجموعة - ولأي سبب من الأسباب - ربطت مستقبلها بالصدام مع السلطة.
هذا لا يعني أن كل ما يقوله الساعون للاصطدام خطأ من ناحية المحبطات ومظاهر فاسدة ومستبدة نعارضها وسنظل نعارضها ما بقيت لنا في هذه الدنيا من مدة نعيشها، ولكن الواقع أيضاً هو أن البحرين حالياً لديها هامش للحرية، وأن هذا الهامش لم يستفد منه استفادة كاملة بحيث يمكن أن نقول إننا وصلنا إلى طريق مسدود، وإنه لا فائدة منه وإنه لا وسيلة الا من خلال دخول السجون وحرق الاطارات وتفجير اسطوانات الغاز وتعطيل حياة الناس.
أمامنا أدلة كثيرة... الشيخ عيسى قاسم الذي يدعو الى التهدئة لديه خلاف مع الجهات الرسمية بشأن قانون الاحوال الشخصية والاوقاف والقضاء ومجلس العلماء والتمييز بين المواطنين ومظاهر الفساد ... وهو يتحدث في هذه الأمور، واجتمع مع أعلى قمة الهرم السياسي ويستطيع أن يتحدث بالمزيد وأن يتحرك من خلال مكتبه ومؤسساته وجمهوره من دون الحاجة الى العنف...
«جمعية الوفاق» تقود حركة المقاطعة، ودخلت في مشادات كثيرة، ومن حقها أن تستمر في المقاطعة، كما أن من حقها أن تشارك فيما لو رأت ذلك وتحقق لها جزء من مطالبها، وهي تصرح وتتحدث وتلتقي ويسافر أعضاؤها ويدعون من يشاؤون. وهكذا الجمعيات المعارضة الأخرى، حتى التي كانت قد تحركت عسكرياً في الماضي، فهي تتحرك اليوم بصورة سلمية وحرة، بل إن عدداً غير قليل منهم أصبح ضمن هيئات رسمية هنا وهناك.
ما أود أن أخلص اليه هو أن هامش الحرية المتوافر لدينا يقتل فكرة الصدام من الاساس ويدعونا جميعاً إلى أن نفكر ملياً قبل أن «نحرق» ما لدينا ثم نبكي لاحقاً ونطالب بأقل مما عندنا الآن بكثير... آن الأوان لتحكيم العقل والاستماع الى بعضنا بعضاً بهدوء، ولكن من دون التنازل عن الحقوق
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ