في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، سيتوجه الناخبون المسجلون في مختلف أنحاء الولايات المتحدة إلى المدارس والكنائس ومباني البلديات للإدلاء بأصواتهم وانتخاب الرئيس ونائب الرئيس، مسئولين على المستوى المحلي وكذلك على مستوى الولايات. ومن المعروف عن نظام الانتخابات الاميركي أنه لا يعتمد نظام اقتراع واحد في جميع أنحاء البلاد، لكن ذلك لا ينفي أن هناك إجراء واحدا لا يختلف بين منطقة وأخرى. إن عملية الاقتراع في جميع المراكز سرية وتجري في كشك يتمتع فيه الناخب بالخصوصية. وتشد الانتخابات الاميركية ونتائجها الكثير من الجهات الخارجية غير الاميركية. ولايعود السبب إلى العوامل الداخلية المحلية فحسب بل إلى احتمال انعكاسات نتائج تلك الانتخابات على تلك القوى الخارجية التي عبرت عن اهتماماتها. يكفي ان نشير إلى حصة الشرق الأوسط في تلك الانتخابات للتدليل على ذلك.
هذا يفسر لماذا سلطت وسائل الإعلام العربية الأضواء على توازنات القوى في تلك الانتخابات في نطاق تأثيرها على الصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية... الاحتلال الاميركي للعراق). وعلى رغم أهمية كل تلك المسائل، لكن ذلك - على أهميته - لا يتيح لنا سوى الاطلاع على النتائج من دون القدرة على معرفة الأسباب التي قادت إليها. ولربما لو حاولنا كشف بعض الأرقام التي تطفو على سطح موازنات وكلف عمليات الانتخابات الاميركية فإن ذلك قد يساعدنا على قراءة أفضل للنتائج من جهة ويرشدنا إلى الطريق الأفضل للتأثير فيها إن شئنا وإن سمح لنا ثقلنا المالي كعرب أن يكون لنا صوت مؤثر فيها.
في المقابل نرى ان مؤسسات الدراسات واستطلاعات الرأي الاميركية تحرص على متابعة الجوانب المالية من تلك الانتخابات، ولذلك تستأثر النفقات المرتفعة للحملات السياسية في الولايات المتحدة بقدر كبير من النقاش. وتحتل الأموال خانة مهمة في الانتخابات الاميركية، فمن المعروف أنه في انتخابات العام 2000 أنفق آل غور ما يزيد على 117 مليون دولار على حملته الانتخابية، في حين صرف جورج بوش حوالي 168 مليون دولار على الحملة الانتخابية التي خاضها ضد آل غور. وتصرف الأموال المخصصة لتغطية نفقات الانتخابات على فرق الحملات الانتخابية ومكاتب تلك الحملات إلى جانب الاتصالات بما فيها شراء المساحات الإعلانية في محطات الإذاعات والتلفزة، إلى جانب كلف السفر والإقامة... إلخ. وقد حققت الجهود الرامية إلى السيطرة على تلك الكلف عن طريق تحديد حجم الأموال التي يمكن للمتبرع أن يتبرع بها وطرق إنفاقها من قبل المرشحين والأحزاب درجات متفاوتة من النجاح.
مصادر التمويل
ولعل السؤال المنطقي الذي يتبادر إلى أذهان المتابعين لتلك الحملات هو: ما قنوات ومصادر تمويل تلك الانتخابات؟ هناك مصادر كثيرة لتمويل الحملات الانتخابية يمكن إدراج أهمها:
1- أموال المترشحين الخاصة: ليست هناك أية قوانين تنظم حجم المبالغ التي يرصدها كل مترشح للصرف على حملته الانتخابية. وفي حقيقة الأمر ينبغي أن يكون المترشح مليونيرا لكي يكون في وسعه الصرف على حملته الانتخابية. فمن المعروف أن روس بيرو قد تحمل شخصيا كلفة حملته الانتخابية في العام 1996 والتي بلغت حينها حوالي 65 مليون دولار. كما أعلن بوب دول إفلاسه في شهر إبريل/ نيسان من السنة الانتخابية التي حاول فيها منافسة ما أنفقه بيل كلينتون في حملة إعادة انتخابه.
2- دعم الدولة (الحكومة): تقدم الدولة دعما ماليا لكلا المترشحين لكن وفق شروط وأنظمة وقوانين مالية صارمة معمول بها لتسيير عمليات الانتخابات في الولايات المتحدة. من بينها مثلا التزام الدولة بدفع مبلغ مقطوع للمترشحين يضاف إليه مبلغ مماثل لكل تبرع فردي يقدمه مواطن ويزيد المبلغ عن 5000 دولار اميركي.
3- التبرعات: بعضها يأتي من أفراد متنفذين، وبعضها الآخر يأتي من جمع أموال من خلال انشطة معينة، لكن معظمها يرد مما يعرف باسم لجان العمل السياسي (PAC) التي تمثل مصالح مجموعة مختارة في كلا الحزبين. لكن الخوف من ان تمارس هذه التبرعات أي دور في شراء ذمة أي من الرئيسين (عقدة ووترغيت) قاد إلى إصلاح نظام تمويل الانتخابات من خلال قانون حملات الانتخابات الفيدرالية 1972 وتم العمل به في العام 1974، إلى جانب قانون إصلاح حملات الحزبين في العام 2002 (Bipartisan Campaign Reform Act). يذكر أن عدد لجان العمل الحزبي كان 608 في العام 1974 وقفز إلى 4499 في العام 2000، وبلغ مجمع مساهمتها لكل المترشحين خلال الفترة 1999 - 2000 حوالي 248 مليون دولار. وحسب استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة هاريس فإن معظم الاميركان يعتقدون أن للشركات الكبيرة ولجان العمل الحزبي تأثيراً كبيراً على صنع القرار في مكاتب البيت الأبيض.
ثغرات في التشريعات وعلى رغم كل محاولات المشرع الاميركي لسد الثغرات لضمان الشفافية وللحد من التلاعب وتقليص إمكانات شراء الذمم لكن لاتزال تلك التشريعات وسبل تطبيقها تعاني من ثغرات عدة من بين أهمها:
1- بوسع المترشحين إنفاق أموالهم الخاصة من دون أية رقابة او تنظيم إلى درجة وصولهم إلى الإفلاس كما حصل مع روس بيرو في العام 1992، وستيف فوربس في العام 1996. فكل من يرفض تلقي المساعدات الفيدرالية ليست هناك قيود تحد حجم نفقاتهم المالية الصادرة من اموالهم الخاصة. ففي العام 2000 وحين رفض جورج بوش تلقي المساعدات الآلية الفيدرالية كان بوسعه إنفاق حوالي 83 مليون دولار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني - مايو/ أيار 2000 من الدورة الأولى.
2- مرونة بنود قوانين التصرف بالأموال الصلبة واللينة، فعلى رغم إصدار قوانين تنظم أوجه صرف الأموال الصلبة (هناك معان مالية واقتصادية لمفهوم الأموال الصلبة والأموال اللينة لكن المعنى السياسي للأموال الصلبة في الانتخابات الاميركية هي تلك الأموال التي تنفق مباشرة على أنشطة الحملة الانتخابية مثل نفقات إنشاء مواقع للمكالمات الهاتفية إلى جانب الحملات البريدية).
بالمقابل ألغيت القوانين التي تنظم أوجه إنفاق الأموال اللينة (الأموال التي تنفق على الأنشطة غير المباشرة للحصول على أصوات الناخبين وزيادة عدد المسجلين منهم، إعلانات الأحزاب المباشرة). فمنذ العام 1980 استغلت الأحزاب تلك الأموال لدعم أنشطة الحزب لحملات مرشحيه بطريقة تمكنوا من خلالها الالتفاف على تحديدات الإنفاق التي فرضتها الدولة عليهم.
هذا الأمر هو الذي أرغم جورج بوش التوقيع على قا نون على إصلاح حملات الانتخابات المتعلقة بالحزبين في العام 2002. هذا القانون الذي سمح برفع من قيمة بعض قنوات مساهمات الأموال الصلبة، من بينها على سبيل المثال المساهمة الفردية للمرشح الواحد وصلت إلى 2000 دولار بعد ان كانت 1000 دولار فقط. كذلك حظرت مساهمات الأموال اللينة للأحزاب السياسية القومية. كما فرضت بعض القيود على حملات الإعلان الانتخابية، على سبيل المثال لا الحصر حظرت على الشركات والاتحادات النقابية من تقديم العون المالي للحملات الإعلانية الحزبية خلال الـ 60 يوما التي تسبق الانتخابات الرئاسية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ