العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ

الأصوات العربية في أميركا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

48 ساعة تفصلنا عن موعد إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحتى الآن ترجح الاستطلاعات فوز المرشح الجمهوري بغالبية بسيطة لا تزيد على النقطتين. وهناك استطلاعات أخرى تضع المرشح الديمقراطي في صف واحد مع منافسه جورج بوش.

هناك إذاً ما يشبه الانقسام الأميركي الحاد بين معسكرين يختلفان على الكثير من السياسات، ويتفقان إلى حد كبير على الموضوع الفلسطيني والانحياز لـ «إسرائيل» والعداء للعرب والمسلمين.

هذا الموقف السلبي من العرب والمسلمين وقضية فلسطين أربك ويربك دائماً الدول العربية، كذلك الكتلة الانتخابية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة. ودفع هذا العداء التقليدي والكراهية المزمنة الكثير من الناخبين إلى الامتناع عن التصويت أو اختيار المرشح الأقل سوءاً، وأحياناً التصويت لمرشح ثالث لا حظ له في النجاح.

تكرر الأمر في أكثر من دورة. ودائماً كان الناخب العربي (والمسلم) يندب حظه لعدم وجود هيئة تتفهم مطالبه وتلبي حاجاته وهذا ما أدى بحكم تكرار التجربة إلى ظهور فئة من القاعدين لا تكترث كثيراً للانتخابات الأميركية وتعتبرها مجرد تمثيلية يُراد منها في النهاية تقسيم الأدوار وتوزيع المغانم والتآمر على العرب والمسلمين.

في هذه الدورة تبدو الأمور مختلفة نسبياً. فالناخب العربي (والمسلم) قرر هذه المرة كما تشير الاستطلاعات لعب دور في المعركة الرئاسية، على رغم قناعة معظم المقترعين بأن المرشح جون كيري لا يختلف كثيراً في مواقفه السيئة من المسلمين والعرب وقضية فلسطين عن المرشح الأسوأ بوش. فالأخير أنفق خلال فترة رئاسته الأولى أكثر من 250 مليار دولار على حروبه السابقة التي تركزت في أفغانستان والعراق والدعم المطلق للعدوان الصهيوني على فلسطين.

كذلك هناك مخاوف عربية (ومسلمة) من احتمال تكرار حروب بوش ضد دول عربية ومسلمة في حال فاز بدورة ثانية. فالرئيس الأميركي طلب قبل أسبوع من الكونغرس الموافقة على موازنة حرب جديدة تبلغ 75 ملياراً تضاف إلى موازنة الدفاع في العام المقبل. وطلب بوش مثل هذه الموازنة الإضافية قبل أيام من التصويت يعتبر إشارة سيئة إلى فترته المقبلة في حال جُدِّد له. فالطلب يغري مؤسسات التصنيع الحربي وشركات النفط بمواصلة دعمه في معركة تعتبر أخطر ما عرفته أميركا في تاريخها المعاصر نظراً إلى ما تحمله من انقسامات داخلية عميقة، بدأت تهز الهوية الأميركية ودور الولايات المتحدة العالمي.

تجديد سياسة «الحروب الدائمة» وتكتيكات «الضربات الاستباقية» وتقويض أمن «الشرق الأوسط» واستقراره تعتبر من العناوين الظاهرة في استراتيجية بوش المقبلة وهذا كله يجعل منه الحليف الطبيعي لـ «إسرائيل» وارييل شارون. فـ «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة تقريباً المتعاطفة شعبياً وسياسياً مع بوش على رغم أن معظم الأصوات اليهودية في الولايات المتحدة ستذهب إلى كيري.

هذا التناقض بين «إسرائيل» والصوت اليهودي في أميركا لا يعني أن هناك اختلافات في التوجهات، وإنما يعكس الاختلاف في رؤية المصلحة الخاصة وتمييزها عن المصلحة العامة وخصوصاً أن كيري لا يتردد مثله مثل بوش في دعم الكيان العبري وقت الحاجة أو من دون حاجة.

الصوت اليهودي في أميركا مطمئن فهو يعرف سلفاً أن المرشحين بحاجة إليه قبل الانتخابات وبعدها وبالتالي ليس مهماً من يفوز بالرئاسة مادامت السياسة الأميركية ثابتة في استراتيجيتها لا تتحرك ولا تتغير سواء كان بوش في البيت الأبيض أو كيري.

مثل هذا الاطمئنان غير موجود عند الكتلة الانتخابية العربية (والمسلمة) في الولايات المتحدة. فالصوت العربي قلق ومتأرجح بين مشاعره العامة ومصالحه الخاصة، ولذلك فقد تأثيره السياسي مع مرور الوقت ولم يتحول إلى رقم صعب في المعادلة على رغم أهميته الكمية.

وزاد من القلق عدم اكتراث المتنافسين بكسب الصوت العربي حتى حين أعلنت الاستطلاعات أن معظم الناخبين سيدعمون هذه المرة المرشح الديمقراطي، الأمر الذي انعكس سلباً على كثير من الهيئات وبدأت تفكر بتغيير موقفها ومقاطعة الانتخابات.

المقاطعة الانتخابية مسألة سيئة وهو خبر يكشف عن ضعف في الوعي السياسي على رغم قلة الاحترام التي أبداها كيري للناخبين العرب والمسلمين. بينما المشاركة مسألة إيجابية لأنها على الأقل تكسر طوق العزلة وتعطي دفعة سياسية للناخبين للتكتل وإعادة تنظيم أنفسهم لمواجهة ما هو أسوأ في حال انتخب بوش مجدداً.

48 ساعة تفصلنا عن موعد إعلان النتيجة وهي كافية للتفكير بمستقبل المنطقة في حال عاد بوش إلى البيت الأبيض ولكنها ليست كافية لتحويل الأقلية العربية - المسلمة من قوة مهملة إلى كتلة محترمة يشعر المتنافسون بأهميتها. فالمسألة مسألة وقت وبوش ليس نهاية العالم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً