سألني أحد المحبين عن تعريف صحيفة «الوسط»، وهل هي تمثل هذا الاتجاه على حساب اتجاه آخر، او انها تميل الى فئة دون أخرى ... وجوابي كان مباشرا وصادقا ومن دون تردد «اننا صحيفة الحكم الصالح»... هكذا نرى انفسنا، إننا تأسسنا من أجل الدعوة الى مبادئ الحكم الصالح، بكل تفاصيل وتفرعات ما يطرح حاليا، وعلى المستوى الدولي، من مفاهيم مترابطة ومتداخلة في عنوان «الحكم الصالح». فلقد توصلت الانسانية الى انه لا تنمية مستدامة من دون حكم يطلق عليه بـ «الصالح»، وهو أمر تحقق في كل البلدان التي يعيش فيها أهلها بخير.
الحكم الصالح يعتمد وجود «إدارة عامة» نظيفة وغير مترهلة وفاعلة ومتطورة ومستجيبة لمتطلبات الناس والعصر، ويعتمد الحكم الصالح على «حكم القانون»، ولكن ليس اي قانون، وانما القانون الملتزم بالعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأهمها العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعتمد الحكم الصالح على «المشاركة الشعبية» الحقيقية التي تتطلب انتعاشاً للحريات العامة والمجتمع المدني والصحافة الحرة، ويعتمد الحكم الصالح على «الشفافية» في المعاملات والممارسات الكفيلة بمنع انتشار الفساد بكل انواعه.
المؤشرات الدولية التي لم تكن مهمة في يوم من الايام أصبحت الآن على الاجندة الدولية، ولذلك فإن مؤشر الشفافية الذي صدر أخيراً عن منظمة الشفافية الدولية أخذ بعدا كبيرا لأنه يتزامن مع الدعوة العالمية للحكم الصالح.
بحرينيا، لدينا مؤشرات حسنة باتجاه الحكم الصالح، ولكنها تتعطل وتتأخر لأن جوانب أخرى من حياتنا العامة تعيش أجندة قديمة ليست لها صلة بالتطورات الجارية في عالم اليوم وعلى كل الاصعدة. ولقد أحسنت جمعية الشفافية البحرينية التي شرحت كثيرا من مفاهيم الشفافية للشعب، ولكن نشاطها لايزال محدودا، ومازالت تعتمد الجمعية على شخص رئيسها، بينما الموضوع مهم ويتعلق بأكثر من جمعية واحدة وجهود فردية مخلصة هنا أو هناك.
ومن متطلبات الشفافية ان يستطيع المواطن الاطلاع على المعلومات التي تهمه. وأخيرا سلم ديوان الرقابة المالية تقريره السنوي إلى القيادة السياسية، ولكننا في الصحافة محرومون من الاطلاع عليه. اننا نعتقد بأن الشفافية هي مفتاح لكثير من الحلول، ولذلك نطالب بالاطلاع على تقرير الرقابة المالية. واذا كان ذلك قد يسبب احراجا وربما مشكلات في ظل توتر وعنف مرفوض من كل المخلصين - من الجانبين الاهلي والرسمي - فاننا نطالب بأن يعرض هذا التقرير على مجموعة يثق بها الناس. وكان حريا بالبرلمان ان يكون قادرا على ممارسة دوره وهو المعني بمثل هذه الامور في بلدان الحكم الصالح.
الجمعية البحرينية لحقوق الانسان عقدت في 13 - 15 ابريل/ نيسان الماضي ورشة عمل عن الحكم الصالح، وعقدت ورش مهمة عن العهدين الدوليين، ولكن يبدو ان هذه النشاطات تتبخر سرعان ما تنتهي الورش المهمة. ربما لان الجمعية لاتزال تراوح في مكانها لاسباب ذاتية او خارجة عن ارادتها. ولكن الجمعية يمكنها ان تطور تقريرها السنوي وتتحالف مع جمعية الشفافية في هذا المجال وتطرح برنامجا توعويا مستمرا لتأسيس مؤشرات محلية لكل جانب من جوانب الحكم الصالح، كالشفافية والحريات العامة وحكم القانون والالتزام بالمواثيق الدولية، وتنمية المجتمع المدني ... الخ.
الحكم الصالح يفترض وجود المجتمع الحيوي (او ما يطلق عليه المجتمع الاهلي او المدني) الذي يحمي الحكم، والحكم يحمي المجتمع، ضمن معادلة متوازنة. ان هذا ليس حلما، وانما شيئا تحقق لغيرنا ويمكن ان يتحقق لنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ