رغم أهمية كثير من مبادرات تطوير التعليم في مملكة البحرين، فإن بعضاً من المشاريع الإثرائية النوعية ليشكِّل عنصر قوة وإضاءة في المشهد التعليمي، أذكر منها على سبيل المثال مشروع «البورصة المدرسية»، والذي يطبَّق بإشراف مباشر من إدارة التعليم الثانوي.
إن من أهم ما يميِّز هذا المشروع أنه يربط الطالب بشكل مباشر بعالم الاستثمار، فهو مساق عملي أكثر منه نظري، ولذلك نجد الطلاب (بنين وبنات) حريصين على الاستفادة والتنافس على المراكز المتقدمة.
من دون أدنى شك بأن المنهج التكاملي ـ الذي يؤكِّد على دراسة المواد دراسة متصلة ببعضها البعض، لإبراز العلاقات واستغلالها لزيادة الوضوح والفهم، ليكون التعليم أكثر واقعية وارتباطاً بمشكلات الحياة التي يواجهها الفرد في حياته ـ هو السبيل الوحيد لإحداث أي تغيير مستقبلي في المناهج التعليمية، فالمتعلم بالمرحلة الثانوية أمام حزمة متنوعة من المشاريع الإثرائية ضمن مبادرات تحسين أداء المدارس، مثل: «خدمة المجتمع» و»البورصة المدرسية» ـ موضوع بحثنا ـ (Trade@-uest) و(Globe)، و»إنجاز البحرين» وغيرها من البرامج والمشاريع المتميِّزة والهادفة، وإذا لم تتكامل هذه المشاريع مع بعضها البعض في نهاية المطاف فلربما تحدث إرباكاً حقيقياً في العملية التعليمية.
اللافت للنظر بأن المدرسة الحائزة على المركز الأول للعام الثاني على التوالي في مشروع «البورصة المدرسية» هي نفسها من تطبِّق حالياً مبادرة «بورصة حقوق الإنسان» ضمن مشروعها «المدرسة الصديقة لحقوق الإنسان Human Rights Friendly School»، والقائم على ثلاثة أركان، وهي:
أولاً: نادي حقوق الإنسان (ويشمل الجانب التثقيفي في مجال الشعر والمسرح والأفلام وغيرها ليتكامل هذا الجانب مع مساق خدمة المجتمع).
ثانياً: بورصة حقوق الإنسان: (لقياس درجة حرارة حقوق الإنسان بالمؤسسة التعليمية، بمعنى: هل هناك تقدم أم تراجع لفهم وتطبيق المنظومة الحقوقية التي درسوها في مقررات كالتربية للمواطنة).
ثالثاً: صيدلية حقوق الإنسان: (لمعالجة الظواهر والسلوكيات التي تتعارض مع المفاهيم الحقوقية).
دعونا نتفق على أهمية المقاربة بين مشروعي «البورصة المدرسية» و»بورصة حقوق الإنسان»، في إطار المؤسسة التعليمية، فعلى مستوى المفهوم، فإن البورصة المدرسية تجعل الطالب ينفتح على عالم الاستثمار قبل دخوله سوق العمل، باعتبار أن البورصة من الأسواق المنظمة، والتي تُفتح وتغلق في ساعات محددة من النهار ـ تماماً كما هي المؤسسة التعليمية ـ عبر تعامل البائعين والمشترين فيها في الأوراق والصكوك المالية الطويلة الأجل من خلال مبادلة تلك الأوراق والصكوك برؤوس الأموال المراد استثمارها.
أما من حيث التوقيت فعلى سبيل المثال فإن سوق البحرين للأوراق المالية يفتح في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً وحتى الثانية عشرة والنصف مساءً، كما أن السوق يتوقف عن العمل في الإجازات الرسمية تماماً كالمدارس.
يمكن تشبيه نظام العمل في البورصة بالمؤسسة المدرسية، فالمعلم يكون بمثابة البائع في سوق البورصة الذي يساعد على إيصال المعلومات، والطالب (باعتباره من الفئة المستهدفة) هو بمثابة المستثمر في البورصة، وكذا الإداريون يقابلهم المراقبين على السوق، الذين يضمنون إتمام العمل بالوجه الصحيح والمطلوب.
إذا كان للمرء أن يلاحظ في البورصة وجود تعاون بين الفئات ذات الصلة بنظام العمل، فإن ذلك يعني ضمان توزيع الأدوار واستمرارية العمل وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، إذ لا يمكننا أن نحقِّق في المدرسة أي تقدم من غير إيجاد آليات التعاون وتفعيلها، والتنسيق بين كافة مكونات المؤسسة التعليمية من معلمين وطلاب وإداريين وعاملين بالمدرسة ومجلس آباء.
إن مؤشر البورصة يعدُّ بمثابة مقياس لدرجة حرارة الاقتصاد، فحالة سوق البورصة تشير بشكل عام إلى النمو أو الركود في الاقتصاد المعني، فمؤشر داو جونز يشير إلى الحالة الاقتصادية لكبرى الشركات الأميركية، ومؤشر الفوتسي يشير إلى وضع الاقتصاد البريطاني وهكذا، في الوقت الذي تشير معدلات النجاح والرسوب في نهاية العام الدراسي إلى ضرورة التأمل في واقع التعليم ومخرجاته من خلال إلقاء نظرة شاملة على أداء الطلاب خلال العام، ليقدِّم لنا مؤشر البورصة فكرة عن مستوى الأداء المالي للشركات المدرجة في البورصة.
على مستوى المراجعة أو التقييم فإن اللون الأخضر يشير في سوق الأوراق المالية إلى ارتفاع قيمة سعر السهم مقارنة باليوم الذي سبقه، كما ويشير اللون الأحمر لانخفاضه، بينما يشير اللون الأزرق إلى ثبات السعر، بشكل نستطيع توظيف الألوان السابقة في عملية تقييم مدى التطور الحاصل بالنسبة لمفاهيم حقوق الإنسان في الفضاء المدرسي، حيث يمكننا استخدام اللون الأخضر للتعبير عن التطور الإيجابي في تطبيق مفاهيم حقوق الإنسان بالمؤسسة التعليمية، فعندما يحرص الطلاب على الالتزام بالمادة 11 من قانون التعليم رقم (27) الصادر في مملكة البحرين سنة 2005 والتي تشير بشكل واضح وجلي بأن لا تقل مدة السنة الدراسية بالنسبة لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي عن 180 يوماً دراسياً فإن ذلك سيساهم بالتأكيد في خلق ثقافة جديدة اسمها حق «التمدرس» والذي يعزِّز لنا بدوره «حق التعليم» كحق أصيل من حقوق الإنسان البحريني.
وعندما يساهم الطالب بمشروع لجعل المدرسة خالية من التدخين أو الغش أو العنف أو الاعتداءات والتحرُّشات الجنسية أو التسرب أو الرسوب وما إلى ذلك، فإن من الواجب تعزيز هذه المبادرة بتكريم الطالب وتحفيزه وإبرازه في وسائل الإعلام المختلفة كنموذج يُحتذى به بين زملائه وأقرانه سواءً داخل المدرسة أو خارجها، وفي المقابل يمكننا استخدام اللون الأحمر للتعبير عن التراجع الحاصل على مستوى تطبيق المفاهيم الحقوقية السابقة، ويستلزم ذلك البحث عن مواطن الخلل أو التراجع، ومضاعفة المساقات الإثراية، ووضع برامج علاجية كدروس التقوية المدرسية.
ولأن البيئة المدرسية ليست منفصلة عن العوامل أو المؤثرات الخارجية، لأنها توصف بـ «المنهج الخفي»، فوسائل الإعلام المتعددة بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات، والأسرة والأصدقاء ودور العبادة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى، كل ذلك يلعب دوراً مهماً وحيوياً في تكوين شخصية الطالب، فلا يمكن عزل الطالب عن هذه العوامل أو المؤثرات الخارجية.
وفي المقابل فإن العوامل الخارجية التي تؤثر في البورصة لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها بأي حالٍ من الأحوال، كوضع الاقتصاد العام في البلد، وعلاقته بالاقتصاد العالمي وما يتعرض له من انتكاسات أو انفراجات على حدٍّ سواء، إضافة إلى سيكولوجية المستثمرين التي تدفعهم إلى المخاطرة أكثر في حالة توقع الأرباح التي تزيد حجم الطلب على السهم أو الورقة المالية المتداولة.
يتحتم علينا النظر إلى التعليم بوصفه الحل الأمثل لكل مشاكلنا وقضايانا الاجتماعية والسياسية والثقافية، فلو انفتح أبناؤنا وبناتنا في المدارس مبكراً على عالم الاستثمار لما سمعنا مؤخراً عن أزمة ضحايا الاستثمارات أو الشركات الوهمية التي ألقت بشظاياها المدمرة على النسيج الاجتماعي.
يقول علي (ع) لكميل بن زياد النخعي «يا كميل... العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق»
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 2809 - السبت 15 مايو 2010م الموافق 01 جمادى الآخرة 1431هـ
Aljahrami
مقال اكثر من رائع
تسلم
أصبت عين الحقيقة
مقال يحمل في طياته الكثير ..
أصبتم عين الحقيقة
نترقب تطبيق البرنامج بشغف
( طالب بحراني )
الأمام علي بن أبي طالب (ع)
العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق»........................................