للميزان كفّتان، وهما وجها العدالة والتسوية من غير زيادة ولا نقصان، إذ التوازن فيه يقاس من باب تساوي الثقل في كلا الكفتين، لذا كان ولا يزال الميزان معيارا للوزن، وفي الوقت ذاته أصبح شعارا للعدالة، يقدسه الناس ويرتضونه ليكون حكماً وقياساً، فمن منا لا يرتضي العدالة ولا يسعى إليها، وأي عذاب ينزل على الإنسان حين يطاله طغيان الميزان ولا تتساوى كفته بكفة غيره سواء أكان في بيته أو عمله أو وطنه.

يعتبر الميزان آلة لقياس الكتلة، ووزن الشيء أو ثقله، وللأوزان قياسات متنوعة حسب البلدان، يعتبر قدماء المصريين هم أول من استخدم الميزان في تاريخ البشرية وذلك في العام 2500 ق.م، وعلى اثر ذلك تنوعت الموازين فمنها الموازين التقليدية ولها نوعان،الميزان المتساوي الذراعَان، والميزان القباني، الذي يحتوي على ذراعين إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، إذ يوضع الثقل في كفَّة الذِّراع القصيرة، أما الموازين الميكانيكية فهي مجهزة بمؤشر حساس لقياس الوزن وهي أيضا تشكل أنواعاً مثل ميزان الزنبرك، والبندول، أما الموازين الإلكترونية فهي عبارة عن جهاز يقوم بتحويل مقياس الجهد إلى إشارات إلكترونية والتي يرسلها إلى مؤشر الوزن الإلكتروني فيحول الأخير هذه الإشارات لتظهر القراءة الصحيحة للوزن، وتعتبر الموازين الالكترونية من أكثر الموازين التي تعطي قراءة أكثر دقة للوزن وبصورة أسرع وبأقل كلفة.

وقد وردت كلمة الميزان تسع مرات في القرآن الكريم، وقد وردت بمفاهيم متعددة منها العدل لقوله تعالى «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ» الرحمن/ 7، كما جاءت كلفظة دالة على أنها آلة الوزن فقد أشارت مادة «وَزَنَ» إلى هذا المعنى في مواضع متعددة من القرآن الكريم في قوله تعالى: «فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا» الأعراف/ 85، كما أعطت كلمة الميزان دلالة وإشارة إلى أعمال الإنسان من الحسنات والسيئات فمنها ما هو ثقيل ومنها ما هو خفيف في الميزان وهذا ما يوضح في قوله تعالى: «فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون» المؤمنون/ 102، 103، إضافة إلى إنها تعطى قيمة لقدر الإنسان ومدى خطره، ودل على هذا المعنى قوله تعالى: «فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً» الكهف/ 105.

الميزان في حياتنا أمرا ينبغي تداركه والنظر إليه والإحساس به والركون إليه، فالحكومة من أول المطالبين بأن يكون ميزان استحقاقاتها ثابتاً في معيشة الناس سواء في مشربهم أو مأكلهم أو مسكنهم أو تقسيم التعليم والعمل بينهم وتيسير شئون حياتهم، وان طغى ميزانها كان ذلك وبالا على الناس وبداية لانتشار الفساد في الأرض وخلق مجال خصباً لمزيد من الشعور بالدونية لمن خفت كفته دون ذنب منه، وطغيان النفس واستعلائها لمن ثقلت كفته دون تميز يقوم به.

الميزان لا يقام ولا يقاس فقط على الحكومات فنحن لا نستثنى منه، فمن منا يقيم ميزاناً للأمور في حياته، لقد أصبحت عاداتنا الاستهلاكية خارج دائرة الميزان، فأفراحنا وأحزاننا وسلوكياتنا أصبحت هي الأخرى مختلة نقيمها بلا وزن ولا اتزان فهي ما بين الإسراف والغلو أو مابين التقصير ونقص النظرة علاقتنا كذلك هي الأخرى بحاجة إلى ميزان فتعاملنا مع الآخرين حديثنا معهم، أراؤنا، اتجاهاتنا، تقيمنا للأمور والأشخاص حين نطلق عليها إحكاما، بيوتنا وما يجري فيها هي بحاجة لأن تدار بميزان فمن قال إن الابن الأكبر يحوز على النصيب الأكبر من الجهد والمال؟ في حين أن نصيب الأبناء الآخرين يكون على ما تبقى وفي أحيانا أخرى على الحظ، فأين الميزان؟، أو ليس كلهم أبناء؟ فالميزان لا يعرف من هو الأقرب إلى القلب بقدر ما يقيس من هو المستحق الأجدر.