في المأثور الشعبي المتداول نظرية بسيطة جدا تقول لا تحصر سنور (قط) في الزاوية وتغلق عليه جميع المنافذ، إلا في حال رغبتك في قتله، وإلا فاترك له مهربا حتى يخرج منه قبل أن يفكر في قتلك.
إغلاق المنافذ والمخارج في وجه حيوان ضعيف كالقط ستحوله إلى حيوان مفترس ومتوحش شبيه بالأسد لأنها ببساطة نظرية الحياة والوجود التي تقوم على حب البقاء وصراع نزعة الروح.
وبالتالي فإغلاق المنافذ في وجه البشر لن يكون أخف وطأة من إغلاقها في وجه الحيوان، ويمكن أن يفكر الإنسان قليلا في ما يفعل إلا أنه سرعان ما سيفقد السيطرة على نفسه وضبط النفس عندما يجد أن الخناق ضاق عليه ولا سبيل له أو مفر ليتحول إلى وحش كاسر وفق نظرية «عليّ وعلى أعدائي».
تفسير العنف المتبادل حاليا في مختلف الأرجاء نتيجة غياب الحوار، والرغبة القوية في السيطرة وفرض النفس بالقوة على الآخر، من دون احترام وجود ذلك الآخر ورغبته في البقاء والحياة الكريمة، وبالتالي فإن الحياة ستتحول إلى ساحة صراع بين من يريد فرض سيطرته ونفوذه وبين من يريد البقاء بكرامة وعزة.
هذه المعركة السياسية إذا أردنا أن ندرسها فإنها كأي حرب (إذا جاز لنا التعبير)، وفي الحروب هناك خسائر كبيرة بين صفوف الطرفين، يجب علينا حتى لا نصل إلى مثل هذه المراحل، البحث عن السبب الحقيقي وراء ما نعيشه حاليا من سوء وضع، والعمل على حلها حقنا لخسائر اجتماعية كبيرة وربما دماء، من خلال الحوار الجاد والحقيقي.
السنّور أو القط عندما تحول إلى حيوان متوحش مبرزٍ مخالبه، لم يكن ذلك ناتج عن قوة بل عن ضعف أولدَ قوة، ومن إحساس بالموت وقرب النهاية، وبالتالي لن يدخر أي شيء من أجل أن يطيل فترة بقائه أو يبحث عن منفذ ليهرب منه.
هذا الإحساس هو أخطر إحساس يستشعره أي إنسان عندما يجد نفسه عالقا بين الحياة والموت، فنجد الكثيرين لا يبالون بما يفعلون ولا يحسبون لما يقومون به، وعندما تسألهم يجيب ببساطة «لا يوجد لدي ما أخسره» هذه المرحلة التي يصل لها الإنسان من اليأس تجعل منه كائنا خطيرا تصعب السيطرة عليه.
البحث عن مسببات الأزمة أساس لحل كل القضايا العالقة وبالخصوص تلك القضايا التي تتعلق بحق جماعات كبيرة في المجتمع، إذا كان من الخطورة الكبيرة أن يستشعر فرد بضياع حقه، فما بالكم عندما تجد جماعات أنها أصبحت مهمشة لا حق لها ولا معنى لبقائها ووجودها.
ماذا سينتج من هذه الجماعات التي تستشعر في كل لحظة أن قيمتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلدها صفر؟ ماذا سينتج عن هذه الجماعات عندما تجد أن حقوقها مسلوبة؟ عندما تجد أن بيئتها مظلومة؟ وعندما تجد أن مستقبل أجيالها مظلم ومجهول؟
طبعا لن تكون ردة فعل هذه الجماعة أخف وطأة من ردة فعل سنور محصور في زاوية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2381 - الجمعة 13 مارس 2009م الموافق 16 ربيع الاول 1430هـ