العدد 2381 - الجمعة 13 مارس 2009م الموافق 16 ربيع الاول 1430هـ

خسئ المثبطون

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

على رغم المساعي الحثيثة والقمم الثنائية والثلاثية والرباعية والمصغرة التي تعقد هنا وهناك لرأب الصدع في جسد الأمة العربية والإسلامية إلا أن بعض كتابنا الصحافيين يبدو أنهم يغردون خارج السرب أو أنهم استمرأوا انقسام الأمة بين دول اعتدال ودول ممانعة.

لاحظت منذ فترة طويلة أن هناك كاتبين على الأقل فيما يعرف بصحيفة «العرب» ينهش قلميهما في صميم بنيان الوحدة العربية والإسلامية. فكلما ظهرت أزمة مفتعلة في المنطقة نجدهما يسطران في عموديهما أوهاما وكأنهما يخاطبان جمهورا في بلاد الواق واق وليس الجمهور العربي والإسلامي المعروفة توجهاته بالحفاظ على الثوابت.

لم أصدق نفسي وأنا أقرأ لهذين الكاتبين في صحيفة «العرب» تلك حينما استعرضا معا وبشكل متزامن موضوع المحكمة الجنائية الدولية ومطالبتها بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير. فقد أوردا، ويحمل اسم أحدهما صفة «العاقل» وهو ليس بعاقل بل جاهل وغشيم أيضا، «أنه على البشير أن يسلم نفسه حالا».

ليس هذا فحسب بل أخذتهما غيرة شديدة من الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني ووفد من حركة «حماس» برئاسة موسى أبومرزوق إلى الخرطوم متضامنين مع البشير في القضية المعروفة.

وزعم الكاتبان النحريران أن البشير لن تنفعه زيارة هؤلاء الإيرانيين وأعضاء حركة «حماس». وذهبا أكثر من ذلك إلى أن التفاف الشعب السوداني حوله لن يفيده في شيء وأنهم سيفرون منه لاحقا إذا تأزمت الأمور أكثر، وضربا مثالا بما حدث للرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وكان منتهى الإسفاف حينما ذكر كاتبنا «العاقل» أن الخرطوم تقوم بإيواء المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين!

وأقول أولا إنه لم تقم بزيارة السودان وفود من إيران و»حماس» فحسب بل جاءت وفود من كل فجاج الأرض وعلى سبيل المثال من سورية واليمن ووفد للجامعة العربية برئاسة الأمين العام للجامعة عمرو موسى وكذلك وفد من الاتحاد الإفريقي وليبيا وحركة «فتح» و»الجبهة الديمقراطية» الفلسطينيتين وغيرها، والآن سيتوجه وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط ومدير المخابرات المصرية إلى هناك. هل يريد هذان الصحافيان «العربيان»، ألا يرحب السودان ويثني على من جاؤوا للتضامن معه. ولماذا هذه الغيرة من وفدي إيران و»حماس» بينما تثني الخرطوم على جميع مواقف الدول العربية الشقيقة لمساندتها في مواجهة الافتراءات بشأن اتهام البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

لستُ هنا متحدثا باسم الحكومة السودانية ولا أدافع عن البشير ولكن السودان لا يميز بين إيرانيين وفلسطينيين وجميع الطوائف المسلمة سواء من دول الاعتدال أو المقاومة وإن كان لا يعول كثيرا على المواقف الخارجية وخصوصا العربية التي قد تكون من باب المجاملة.

الرئيس السوداني يراهن كثيرا على الجبهة الداخلية وقوة إرادة شعبه فهي إرادة لا تلين وعزم لا يفتر ولديه رجال يأبون الضيم.

وعلى عكس ما يعتقد هذان الكاتبان، فإن الشعب الذي التف بكل قطاعاته سواء في المعارضة أو الموالاة حول البشير لن ينفض عنه حتى تطلع الشمس من مغربها. وليس هناك مقارنة بين البشير وصدام. إذ لم تكن للأخير شعبية حقيقية بل كان المسيطر هو حزب البعث بينما كانت غالبية الشعب العراقي تؤيد المعارضين الموجودين آنذاك في المنفى وجاؤوا عقب الغزو الأميركي 2003. وفي المقابل لا يكنّ الشعب السوداني اليوم أي ولاء لمعارضين في الخارج فكل أقطاب المعارضة موجودون داخل البلاد وهم متوافقون مع رئيسهم ضد المحكمة المسيّسة.

لقد عايش الشعب السوداني نظام البشير نحو 20 عاما وهو قادر على تغييره من الداخل بانتفاضات شعبية إذا أراد ذلك، كما فعل في ثورتي 1964 ضد نظام الرئيس إبراهيم عبود و1985 ضد نظام جعفر النميري. لذلك فإن هذا الشعب لديه من الوعي والقدرات الكافية ما يؤهله للخروج من أي مأزق. وليذهب البشير عن السلطة ولكن بطريقة مشرفة للشعب وليست مهينة كما تريد دول الاستعمار الحديث.

وأريد أن أوجه سؤالا لهذين الكاتبين: إذا كان البشير لا يعول على الشعب ولا على الأصدقاء والأشقاء المتضامنين معه فعلى ماذا يعول؟ فهل يريد الكاتبان المثبطان أن يرفع الراية البيضاء مستسلما من أول وهلة؟

كان الأجدر بهذين الكاتبين وهما دائما يكتبان عكس التوجه العربي القويم (فقد جاءت في إحدى مقالات أحدهما تحت عنوان كبير «لا تستثمروا في السودان»... وذلك أثناء أزمة الغذاء العالمية، وكانت النتيجة عكس ما تمنى)، أن ينظمان استفتاء في الموقع الإلكتروني لصحيفتهما ويطرحان السؤال: هل أنت مع اعتقال البشير أم ضده؟ وبالطبع سيجدان أن غالبية المشاركين سيعبرون عن رفضهم اعتقال الرئيس السوداني أو على الأقل الكيفية التي أُريد أن يحاسب بها رئيس دولة مازال يباشر مهماته. وقد قامت بمثل هذا الاستفتاء هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» ووجدت أن أكثر من ثلثي المشاركين ضد توقيف البشير. ولا ننسى المبدأ بأنه «لا يجوز لمسلم أن يعين غير المسلم على أخيه المسلم، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله». اللهم إلا إذا كانت هناك مآرب أخرى، عندئذ ليس لي رأي.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2381 - الجمعة 13 مارس 2009م الموافق 16 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً