أظهرت التحقيقات الأمنية في العراق مزيداً من النتائج غير المُحتَمَلَة. فقد أشارت تلك التحقيقات إلى أن أجهزة رَصْد المتفجّرات (السّونار) يُمكن التحايل عليها بُمجرّد تشغيل «بلوتوث» الهاتف النقّال! وهي الحيلة التي تجعل من نقاط التفتيش تُصادر أجهزة الهاتف المحمولة في العادة، وتفصل بطاريتها عن العمل. وهو ما يعني مُضاعفة «الدقيقة» الزمنية في التفتيش إلى عشر أمثالها.
ولأن الأجهزة المذكورة تعتمد على معادلة فيزيائية معقّدة، ما بين وظائف يُؤدّيها حامل الجهاز نفسه وما بين محاذير كيميائية (ولكن متداولة) تُعطّل حركته، فقد اخترق الإرهابيون المئات من حواجز التفتيش الأمنية، وفي مناطق عدّة من بينها العاصمة بغداد وأدّوا مهمتهم على أكمل وجه في قتل الآلاف من العراقيين الأبرياء، ثم انصرفوا كأن أحداً لم يكن يرقبهم.
لك أن تتخيّل، أن حامل السّونار، وبمجرّد أن يُغيّر من مسار يده عمودياً بشكل متابين مع نقطة بداية المسح، فإن «عَطَبْ اللحظة» هي نصيب الجهاز، حيث يعجز عن ضبط ورصد أي إشارات تصدر من جسم غريب قابل للانفجار. ولك أن تتخيّل أن نفثة عطرٍ واحدة قادرة على خنق الجهاز وجعله مُختلاً عقلياً، الأمر الذي يجعله غير قادر على تمييز الأشياء كما يجب.
وهي باعتقادي أمور لم تكن الشركات الغربية المُصنّعة لها بعاجزة على معالجتها، وتصويب الخطأ فيها لحماية أرواح الناس، مادامت قادرة على تصنيع اختراعات بحجم الفتوح الإنسانية، كما نراه يومياً في وكالات الأنباء، ليس آخرها ابتكار سيّارات تستطيع السير بسرعة ثمانين كيلو مترا في الساعة عبر توجيه عيني السّائق وبدون مقْوَدْ!.
اليوم أخذ العراقيون يتّجهون إلى بدائل تقيهم نَزق الإرهاب، وتعدّد خططه، وقسوة نفسه، واحتيال شركات التصنيع القاتلة. إحدى هذه البدائل هو اللجوء إلى الكلاب البوليسية المُدرّبة بدلاً من السّونار للكشف عن المتفجّرات. كلاب الدوفر الألمانية أو الكريدين الدنماركية باستطاعتها تمييز مئات الرّاوئح، واستخراج المنهي عنها بنسبة 90 في المئة وقد تصل إلى 97 في المئة.
خصوصاً وأن حاسّة الشّم لدى تلك الكلاب تفوق ما لدى الإنسان بثلاثين مرة، والسّمع بسبع مرات. مع فارق السعر بينها وبين أجهزة الكشف عن المتفجرات، حيث يبلغ سعر الكلب خمسة آلاف دولار، في حين أن سعر السونار هو ستين ألف دولار! المشكلة تكمُن في إدمان الكلاب على بعض الروائح، والتي تجعلها مدمنة عليها كالمخدرات.
طبيعة التفجيرات التي تحدث في العراق تجعل من الأمر أكثر جدّية. ما شهدته العديد من المحافظات العراقية قبل أيام، أظهر أن القاعدة لم تعد تؤثّر فيها الضربات الأمنية الموجعة التي طالت فروة رأسها. كما أنها (أي التفجيرات) أظهرت أن الأمن في العراق مكشوف لدرجة أن المُستهدِفين يختارون أهدافهم بشكل مزدوج وبالتوقيت الذي يختارونه هم.
كلّ ذلك يجري بسبب معدّات أمنية بالية وغير فعّالة. فهي بالإضافة إلى كونها غير قادرة على التماثل المطلوب في أدائها التقني، فهي عاجزة عن اكتشاف المتفجرات لأبسط العوائق البشرية وأتفهها. إذاً فالحكومة العراقية اليوم مُطالبة بأن تفتح تحقيقاً في ذلك الأمر. وأن تضرب موعداً تُحدّد فيه طبيعة عقود الشراء (الأصولية) التي تمّت مع الشركة المُصنّعة.
في كلّ عمليات التصنيع الفاشلة تتحمّل الشركات المُصنّعة مسئولية الأحداث السالبة التي تقع نتيجة القصور التقني والفني في المُنتَج. كيف يحصل المواطن الأميركي تشارلز لينون على تعويض بقيمة 400 ألف دولار بسبب خلّل في الحشوة الزنبركيّة لعضوه الذكري من إحدى المستشفيات، ولا يحصل مواطن عراقي فَقَد حياته نتيجة قصور تقني في جهاز كشف المتفجّرات صنّعته شركة محتالة؟! إنها حقاً مفارقة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ
القضية الاساسية
القضية اكبر من فشل تقني فهي تمتد الى الفساد المالي في العراق اذ كيف يقبل احد ان يقتل ناسه واهله وعشيرته لولا وجود من يقتل لديه ذلك الاحساس بالانتماء الى دينه ووطنه هذه هي القضية الرئيسية وليس الاعتماد على صغائر الامور
مثال حقيقي
مثال حقيقي